(الدولة اللامتناهية) لباتريشيا إنجل وحكاية التمزّق الإنساني في الشتات
تشرين-حنان علي:
(إيلينا وماورو) مراهقان يلتقيان مصادفة، يزدهر حبهما كترياق للوحشية المتزايدة في كولومبيا – بوغوتا البلد الذي دمره نصف قرنٍ من العنف، بمجرد ولادة ابنتهما الأولى، وفي سبيل مواجهة آفاق اقتصادية قاتمة، حطت آمالهم على الولايات المتحدة الأمريكية في حكاية تقليدية ومثيرة للجدل – عائلة شابة تترك بلدها الفقير لتشق طريقها إلى أرض الثراء، إذ يأملون في القبض على الحلم الأمريكي بعيد المنال.
«ماذا عن هذا البلد الذي أبقى الجميع رهينة لخياله؟»
قاسى أفراد الأسرة، حالهم كحال المهاجرين غير الشرعيين، وما يتعلق بتلك الإقامة من بحثٍ عن عمل تحت الطاولة، وتحمّل أعباء مالية إضافية، وتجنب القانون، ومواجهة الاستغلال، والتعرض للإيذاء الجسدي والعقلي.. ومكابدات دامت طوبلاً بعد ترحيل رب الأسرة ماورو، ما أجبر إيلينا المكلفة برعاية أطفالها الثلاثة الصغار من بعده على اتخاذ خيارٍ صعبٍ في حلّ مفجع يفكك الأسرة تماماً.
الربط بين الأحداث وأساطير منطقة (الأنديز) في كولومبيا، جعل للقصة خصوصية متمايزة، ما يضطر القارئ لإجراء القليل من البحث في هذه الأساطير غير المألوفة، أما نقاط الحدث الرئيس الدائر حول الهجرة والمواطنة، فقدمتها الكاتبة في سردٍ ممتع ملقيةً الضوء على المكابدات، والنكسات والقضايا التي قد يواجهها شخص ما من دون أوراق رسمية في بلدٍ غريب.
«ما الهجرة غير الشرعية سوى سلخٍ للجلد.. تستيقظ كل صباح لا تعلم هويتك أو مكانك، فإن أظهر العالم الخارجي انعكاس صورتك، ترى نفسك قبيحاً مشوهاً، مخلوقاً محتقراً غير مرغوبٍ فيه».
من وجهة نظر النقاد، فإنّ السرد بصوت شخصٍ ثالث في الرواية، عمل على تكريس الشعور بأن المرء يراقب مصير الأسرة من مسافةٍ بعيدة غير قادرٍ على الغوص في مشاعرهم الخام وصراعاتهم ومخاوفهم والتعرف عليهم على نحو أفضل.
رواية (الدولة اللامتناهية) صوت أصيل عن حكاية دولتين وعائلة واحدة تكابد التمزق والندم وثقل الحلم المؤجل.. وباتريشيا إنجل الكاتبة الحائزة جوائز عدة والمشهود لبراعتها الروائية عالمياً، تنحدر من أبوين كولومبيين مهاجرين، كانت نشأت على قصص لم تميز فيها بين«الأسطورة» وما يسميه الآخرون التاريخ، الماضي البعيد أو الماضي القريب، فكل شيء بالنسبة إليها متصل.. أما كتاباتها فتتنقل بين تلك التضاريس المتداخلة.
تعمل مساهمات إنجل في الأدب المعاصر على تعميق التعاطف الإنساني، إذ تركز أعمالها المنشورة منها: (فيدا- أيكة المحيط- إنه ليس حباً إنه باريس) بشكلٍ أساس على الروايات الحميمة التي يحركها الأفراد والمجتمعات المقيمة في الشتات، وعلى الأغلب تستكشف الصراع الأساس بين الحدود التي صنعها الإنسان والطبيعة.
تقول: «أرى الفن والإبداع في الحياة اليومية كما أجد الإلهام العظيم والسلوان في الطبيعة.. أعتقد أن الشيء الوحيد الذي يعوق الكتابة حقًا هو التفكير العميق».
(الدولة اللامتناهية) كتاب مذهل عن الجنون المطلق، والقسوة التي تتولد حين يرفض المرء رؤية الآخرين كبشر والنظر إليهم على أنهم: «الآخر».