«بيتُ الخُلد» لـ وليد إخلاصي.. سيرةُ رجلٍ يختفي داخل قبرٍ حفره بيديه

تشرين-لبنى شاكر:
تقول العبارة على غلاف رواية «بيت الخُلد» للراحل وليد إخلاصي (1935 – 2022)، والمأخوذة من كتاب «الحيوان»: «وقد سُميّ بالخُلد لأنه عَرَفَ كيف يبني لجسده المُنهك بالعذابات جُحراً، هو بين الدار الضيقة والقبر الواسع»، والحق أنّ من يقرأ الرواية التي أعاد اتحاد الكتّاب العرب طباعتها العام الفائت بعد طباعةٍ أُولى عنه عام 1982، سيقع على دلالتين اثنتين للعنوان والعبارة، إحداهما مباشرة، حين يرى (أكثم الحلبي) وجهه مع جسد الحيوان الصغير مرسوماً على حائط السجن، وينتابه شعورٌ غريب سيتعمق أكثر بأنه كالخُلد، والثانية تبدو أشبه بحفرة يُفاجئ بها القارئ، الذي توهم طوال الحكاية أن الطريق أمامه مُعبّدة، وأن الشخصية التي تحمّلت وهادنت وصمتت، لا بد ستكون نهايتها بالبؤس ذاته، مُهانة وعاجزة عن رد الإساءة بمثلها، لِيأتي في النهاية اختفاء الحلبي داخل بناءٍ كالقبر، صنعه بيديه وأغلقه على نفسه كمن يذهب وفي نيته ألّا يعود.
المُمتع في الرواية ذات اللغة الطيعة، القريبة من المُستخدَم يومياً، تبويبها ضمن أربعة عشر فصلاً، في كلٍ منها كَشفٌ ما، بدأت بسردٍ يتداعى من تلقاء نفسه عن الصحفي صاحب المقالات والأبحاث، الراغب في أن يكون كل شيء كما يُفترض أن يكون، أملاً في أن تُصبح حياة من حوله أكثر قابلية للتحمُّل، ولعلّ أجمل وصفٍ فيه، ما كتبته عنه مُدرّسةٌ عجز عن مصارحتها بما في قلبه، لكنها في زمنٍ لاحق، لاحظت غيابه وسجّلت عنه الكثير «عَامَلَ المدينة التي لم يُولد فيها، وكأنها بيته القديم، وطالما عاودته المشاعر بأنّ حلب العتيقة كمثل طاسةٍ من نُحاسٍ مُقدس، حُفِرت عليه آياتٌ وأدعيةٌ لا تنتمي إلى دينٍ مُحدد، وتكسوها طلاسم تحميها من فناءٍ كان يُداهمها من قرنٍ إلى قرن، فتبقى صامدة وكأنها السحر».
يصعب وصف الرواية بالبوليسية أو تلك المعنية بالجريمة كموضوعٍ رئيس، رغم أن البحث عن قاتل الحلبي وزوجته (قمر)، قبل حرقهما في شقتهما، مفتاحٌ لأحداثٍ وخبايا، تكشف الكثير عن الصحفي المُثقل بالمآسي والأسئلة، كَرِه منذ كان صغيراً استبداد أعيان قريته وظلمهم في الريف الحلبي، فهرب باتجاه المدينة، ليجد نفسه أمام عالمٍ جديدٍ بمفاهيمه وطبيعة الحياة فيه، ومع انخراطه في نشاطاتٍ واجتماعاتٍ سياسية، ساهمت في تورطه بزواجٍ سريع من قمر التي لم تحبه أبداً، سيدخل السجن مراراً، وستكون حكايته مع سجّانه (نمر) الكلسي موضوعاً يذهب بالرواية نحو عالم السجن، حيث تتخذ العلاقات بين البشر أشكالاً من نوعٍ آخر، وكما في الرواية «يُمكن تعريف السجن باختصار بأنه المكان الذي تُمتَحن فيه إرادة الصمت»، غير أن إخلاصي يذهب بنا كذلك نحو سيرةٍ ذاتية في كثيرٍ من صفحات الرواية، حتى يجوز القول إن الشخصية طغت على الأحداث، أو كانت في موازاتها فاعليةً، ولاسيما حين يُصبح أكثم الحلبي قاتلاً بعد أن ضبط نمر مع زوجته، وإصراره على أنه المقتول أصلاً.
ينحاز الكاتب إلى الخيال في روايةٍ كل ما فيها يُوحي بحقائق، ليشرح لنا كيف يختلط الماضي بالحاضر، وكيف تنبت الحشائش والطحالب على البناء الحجري الغريب حيث اختفى الحلبي في قاعه، والذي ستكثر الأقاويل والتكهنات حوله: البعض يقول إن المبنى لوليٍّ من أولياء الله، ويُردد آخرون إن لصوصاً أخفوا فيه كنزاً يقتل من يكشف عليه، ولا شك في أن العويل الذي سمعته امرأةٌ مرّت من فوق التل، آتٍ من الشياطين التي تسكن المبنى، في حين لم تُفلح يوماً، مُحاولات زحزحة الصخور في البناء الذي سُميّ بيتاً وقبراً ومَزاراً، والحياة من حوله تجري بلا توقف.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية