أطباء مغتربون جسّدوا كلّ معاني الوطنية والانتماء والوفاء لبلدهم خدمات علاجية ومساعدات عينية وما زالوا مستمرين

تشرين – زهور كمالي:

لطالما أثبت بعض المغتربين أنهم الذراع الحامي لبلدهم رغم كل الصعوبات, لا يقطعون التواصل ولا الزيارات. هم ليسوا مصدراّ لتحويل الأموال لذويهم وأقاربهم فحسب، بل أصبحوا قوة فاعلة في بلدهم , ولاسيما في الشدائد والملمّات… هؤلاء علينا أن نستذكر ما قاموا به من مساندة ودعم لأسر , ربما أنقذت أفرادها من الضياع أو من موت بسبب عدم قدرتها على دفع تكاليف علاج صحي وثمن أدوية أو متابعة تعليم أبنائها في المدارس والجامعات، وبالتالي حافظت هذه الأسر على استقرارها ومتابعة حياتها بشكل آمن.

طبيب يسعى لإحضار فريق طبي من فرنسا لإجراء عمليات

أطباء مغتربون بعيدون عن الوطن،   وعيونهم تراقب الحدث وتفاصيل الحياة المعيشية، ليس لذويهم وأقاربهم فحسب بل لكل أبناء الوطن، فلم يكتفوا بالمراقبة والمتابعة على وسائل التواصل الاجتماعي أو التعاطف معهم, بل كانت لهم مبادرات طبية ومساعدات إنسانية جليّة,  مستفيدين من إجازاتهم السنوية بتقديم الخدمات المجانية لكل من يحتاجها.

مركز علاج فيزيائي
الدكتور  تمام سعيد حداد أخصائي عظمية مغترب منذ 18 عاماً في فرنسا افتتح مركزاً طبياً للعلاج الفيزيائي وإعادة التأهيل في مدينته سلحب بمحافظة حماة، مجهزاً بأحدث الأجهزة الطبية والمعالجين الفيزيائيين، ففي بداية العام الجديد وأثناء زيارته للبلد أعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن تحديد يومين في نهاية الأسبوع الماضي  لاستقبال المرضى في المركز الطبي للعلاج الفيزيائي مجاناً، وفي ساعات الصباح الأولى اكتظ المركز بالمراجعين ومن القرى المجاورة.

وآخر يعمل على إحداث مركز طبي إسعافي بالتعاون مع أطباء مغتربين خدمة للجميع

“تشرين” تحدثت مع بعض المراجعين وقال علاء حماد: ابنتي ( 5 سنوات) تعاني من قصر وتر في ساقها ولأول مرة أعرضها على طبيب مختص وسأعمل بنصائحه لمعالجتها حتى شفائها.
وقالت سعاد علي: لدي مشكلة دائمة في مفصل الركبة وبعد الفحص تبين أنها تنكس مفصلي , حيث قام الطبيب تمام بحقن الركبة بإبرة خاصة مع بعض النصائح للتخفيف من الآلام.
وفيق محمد مصاب بجلطة أدت إلى إعاقة في أحد أطرافه، يتلقى جلسات فيزيائية في ذات المركز الطبي عبّر عن امتنانه وشكره للقائمين على المركز وما يلقاه من اهتمام ورأفة بالمراجعين.
“تشرين” التقت الطبيب حداد الذي قال: أحدث المركز منذ سنة ونصف السنة ويخصص ريعه لعدة جهات, منها مدرسة الشهيد سعيد حداد لدعمها بالكتب والقرطاسية وبعض المستلزمات المدرسية الخاصة بالطلاب لتخفيف العبء المادي عنهم، كما يخصص مبلغ للجمعية الخيرية ولأسر الشهداء والجرحى وللمحتاجين, وكل مريض لايستطيع دفع أجور جلسات العلاج الفيزيائي يعفى منها, علماً أن أجور جلسة العلاج أقل من باقي المراكز الخاصة، فمثلاً في مركزي السقيلبية ومصياف 15 ألف ليرة تكلفة الجلسة أما في المركز لدينا عشرة آلاف ليرة فقط.
ويضيف: في كل عام أزور بلدي وأُحضر كمية من الأدوية المتنوعة, تعادل قيمتها 30 مليون ليرة يتم توزيعها على المرضى، إما من خلال هذا المركز أو توزع على مراكز طبية وخدمية خيرية, لافتاً إلى أن مبادرة طبية ما زال يسعى للعمل عليها رغم الصعوبات التي واجهها سواء من وزارة الصحة أو بسبب سوء العلاقات الدبلوماسية مع البلد المقيم فيه “فرنسا” , و المبادرة هي إحضار فريق طبي  بمختلف الاختصاصات لإجراء عمليات جراحية مجانية في المشافي الحكومية.
و بيّن الدكتور حداد أنه خلال هذه الزيارة خصص يومين لاستقبال المرضى مجاناً , و أكثر من تم الكشف عليهم كان لديهم تنكس مفصلي أو “ديسك”، وبما أن تركيب مفصل مكلف بالنسبة للمريض , تتم معالجته بإبرة حقن كورتيزون , تدوم فاعليتها بين 6 أشهر وسنة، لكن العلاج النهائي هو تركيب مفصل صناعي.
واعتبر د. حداد أن ما يقوم به من خدمات ومساعدات واجب عليه تجاه وطنه وأبناء بلده, فهم يستحقون الكثير من المساعدة لكل فرد منهم.

مساعدات في الغربة
المساعدات تخطت حدود الوطن، فكانت المنح الدراسية ودفع أقساط الجامعة.
طبيب العيون المغترب منذ 45 عاماً  في روسيا الاتحادية، الأستاذ الجامعي  الدكتور عبد الكريم حسن من مدينة سلحب لم يألُ جهداً في تقديم أي خدمة طبية كانت أو مساعدات مادية كدعم جهات خيرية –  خدمية – مدارس,  إضافة إلى مشاركته في المؤتمرات الطبية المنعقدة في سورية، وفي منزله بدمشق كان يستقبل المرضى أثناء إجازاته السنوية ويجري الفحوصات العينية لهم مع تقديم الدواء مجاناً، و بشكل دوري يرسل مساعدات مالية خاصة إلى المرضى, ولاسيما مرضى السرطان , حيث يستفيد من هذه المساعدات 100 -160 شخصاً بين مريض ومحتاج –  حسب ما أكده المكلف بتوزيع  المساعدات – إضافة إلى دعم الجمعية الخيرية في سلحب  وكان للمدرسة التي تعلم فيها د. حسن  في الصفوف الأولى” مدرسة الشهيد طالب فندي” حصة من الدعم لسد احتياجات الطلاب من القرطاسية وشراء وسائل تعليمية وتصنيع مسرح الدمى كوسيلة للتعلم  وبعض الألعاب الرياضية.

تأسيس صندوق تكافل اجتماعي في محردة يساهم فيه الأهالي والمغتربون

ومن الجدير ذكره أن المساعدات التي يقدمها د. حسن لم تكن فقط داخل حدود وطنه فقط , بل شملت العديد من الطلاب السوريين الدارسين في الجامعات الروسية مثل: منح دراسية- إعفاء من الرسوم الجامعية ومدّ يد العون لمن تقطعت به سبل العيش, وما زالت أنظاره ترنو الى إحداث مركز طبي إسعافي في المنطقة  بالتعاون مع  أطباء مغتربين خدمة للجميع.

تنظيم الدعم المغتربين
وفي منطقة محردة بحماة أيضاً كان للمغتربين دور هام خلال السنوات الماضية في إعالة أسرهم وأقاربهم , إذ يقدر عدد المغتربين بـ 100 عائلة هاجرت إلى أستراليا وألمانيا وأمريكا خلال سنوات الحرب، وهناك مغتربون آخرون منذ عشرات السنين في دول أوروبية.
رئيس جمعية أصدقاء محردة يوسف كمّوش و في تصريح لـ”تشرين”  قال: لم يتوانَ أي مغترب في مدينة محردة عن مدّ يد العون وتقديم المساعدات للمدينة , وكان أغلبها لإجراء عمليات جراحية للمرضى وحوالات مالية لإعالة ذويهم، لكن هذا العمل لم يكن بشكل منظم ,فمن خلال وسائل التواصل الاجتماعي يتم الإعلان عن حالة مرضية, فترسل التبرعات للمريض، لذلك قررنا أن نؤسس صندوق تكافل اجتماعي بجمع عشرة آلاف ليرة شهرياً من كل أسرة في المدينة والبالغ عددها 1100 أسرة, على أن يشارك المغتربون فيه وبعد أربعة أشهر نبدأ بتغطية نفقات العلاج الصحي لمن يحتاجها.
وبيّن  كمّوش أن الجمعية سابقاً كان اسمها جمعية المغتربين وسميت من جديد جمعية أصدقاء محردة, هدفها تعزيز الانتماء للوطن وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والتمكينية، لافتاً إلى أنه  يوجد عدد كبير من المغتربين وحوالي 100 أسرة هاجرت خلال السنوات الماضية، كان لها أثناء جائحة كورونا دور هام في إنقاذ المرضى,  وذلك بإرسال أجهزة ومستلزمات العلاج الصحي وتعبئة 600 أسطوانة أوكسجين بالتعاون مع المحافظة. مضيفاً : نحاول جاهدين تنظيم الدعم المرسل من المغتربين كي يستفيد منه أكبر عدد من المستحقين من دون أن يشعر أحد بالإحراج ليكون العمل الخيري إنسانياً  وبأرقى أشكاله.

أخيراً
هناك مغتربون مضى على اغترابهم عقود من الزمن, و حتى أخبارهم انقطعت ، منهم من يمتلك شركات ومعامل في البلد المقيم به لكنه نأى بنفسه عن وطنه وأبناء بلده، فأين هم من أمثال هؤلاء الأطباء الذين جسّدوا كل معاني الانتماء والوطنية والوفاء لوطنهم؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب أسعار الخضار تحلّق في اللاذقية.. ومواطنون يطالبون بعودة الأسواق الشعبية قبرص.. الوجهة القادمة لمطامع «إسرائيل»