غابت عن الرواية والقصة ظاهرةُ (الأقطاب والأجيال) الجليّة في الشعر فقط!!

تشرين-علي الرّاعي:

كثيراً ما تساءلت، وربما تساءل معي كثيرون: لماذا بقي الشعر وحده من بين الأجناس الأدبية، يُصنف على شكل أجيالٍ، بل بالعقود أيضاً؟، وثمة من يُحدد له أقطابه في كلِّ عقد، ثم أقطابه لكلِّ العقود.. وتحديداً بدأ الأمر منذ عقدي الستينيات والسبعينيات، إذ ليس ثمة «تجييل» لشعراء وقصائد، أو عقود شعرية قبل ذلك.. ربما هناك مراحل أو فترات تربط بمراحل تاريخية وعصور، حيث لكلِّ مرحلةٍ أقطابها وقصائدها، أما مسألة «العقود الشعرية» فهي صناعة الستينيات، وتكررت حتى وصلت الى التسعينيات، ويبدو أنه التبس على «المجيّلين» بعد ذلك، فأصبحوا يقولون جيل التسعينيات وما بعده، أو من جيل التسعينيات إلى الآن.. ولا أعرف السبب في إلحاق من أصدر شعراً منذ بداية الألفين بالعقد السابق…؟!!

وحده الشعر

الشعر إذاً.. له أجياله وعقوده وأقطابه، لكن الأمر هذا غاب عن الرواية والقصة القصيرة وحتى المسرح والسينما، وإن كان ثمة من يتحدث عن «ريادة ورواد» في هذه الأجناس.. وأما أبرز عقود الشعر فهي: ‏الستينيات والسبعينيات.. و«البروز» هنا كان له أسبابه وظروفه، التي لم تتوفر لمن كتب شعراً في العقود اللاحقة، ومن ثم البروز هنا احتفالي وريادي وإعلامي فحسب وليس للأهمية..!! ‏

البعض «يفلسف» الأمر كالآتي؛ إن المسألة في الشعر مختلفة فكل جيل من الشعراء لهم آباء يبنون عليهم ثم «يتجاوزونهم»، وقد لا يتجاوزونهم.. ذلك أن الشعر له جذوره، وله ينابيعه التي سيظل يمتحُ منها الشعراء.. أما القصة ففن مستحدث أو يكاد.. ومن ثم، فإن قصر المسافة الزمنية، والتي لا تؤهل للريادة كما يجب، وحتى ثمة من يرى أن مسألة الأقطاب مسألة خلاف.. فالقصة في العالم العربي فن مُستحدث، لايزال خاضعاً للتجريب، وإن الهموم تكاد تتشابه لدى كتّاب القصة، لكن الأساليب الفنية تختلف على الأغلب بسبب التجريب، فكلّ كاتب قصة لا يزال، وربما سيبقى يبحث عن شكلٍ بخلاف الشعر الذي له خط تطور متصاعد في الشكل الفني، ورغم ذلك ليس من كتّاب القصة من يتطاول ويرى بنفسه أنه يكوّن لها أو يشكل قطباً.. أي لايزال من المبكّر لهذا الفن حتى يخلق أقطابه…!! ‏

ماذا عن الرواية

ثمة البعض من يشكك في المسألة برمتها؛ فهم لايهتمون بموضوع الأجيال، والرواية الجيدة بتقديرهم علامة في سجل الرواية بصرف النظر عن الجيل الذي تنتمي إليه. أما أن الرواية لم تخلق أقطابها فمازال الوقت مبكراً لحكاية الأقطاب رغم كثرتهم، رغم إنه منذ زمن، وليس اليوم فقط تقوم بعض المنابر الإعلامية بتطويب هذا وذاك، وهي مهمة تطوع لها الكثيرون، وهنا تلعب العلاقات الشخصية والمنافع المتبادلة دورها في التطويب، وليس سراً أن هناك شبكة في العالم العربي الذي لم يتوحد، فوحدته المصالح الثقافية متمثلة فيه بأردأ أشكالها.. يكفي أن يقول ناقد معروف إن رواية ما حققت سبقاً، وخرقت المحظور، وباحت بالمسكوت عنه، وأشياء من هذا القبيل؛ حتى تردد وراءه جوقة من المريدين والتابعين ما قاله مع الإطناب مرفقاً بتأويلاتٍ تُكرسه.. وليس سراً أيضاً القول بأن الشللية في القطر الواحد تنعمُ على أفرادها بما أنعمته عليها شللية في قطر شقيق..!! ‏

التباس الأقطاب

وربما نجد رأياً آخر، حيث يجد أن للرواية أقطابها، ففي مصر مثلاً يرى بعض النقاد أن ثمة تيارين: الأول: قاده صنع الله إبراهيم: وهو تيار متأثر بالرواية الأوروبية الحديثة، والثاني قاده جمال الغيطاني، وهو المتعمق بالتأصيل بالبيئة المحلية.. وبالنسبة للتجييل فثمة ظواهر تكوّن حركة ورؤية نتيجة ظروف تاريخية معينة وليس بالضرورة كل عشر سنوات، مثلاً في ألمانيا حركة الـ (47) لاتزال مستمرة إلى اليوم، وحول مسألة الأقطاب؛ ربما يرى الكثيرون، أن هناك أقطاباً في الرواية منهم: عبد الرحمن منيف، صنع إبراهيم، حنا مينة، وهاني الراهب.. هؤلاء ربما يكونون، أو يُشكلون أولياء في الرواية و وهم متميزون ولكلٍّ خطه ونهره الخاص.. وهنا كما يلاحظ،فإن اختيار الأقطاب تمَّ من زمنين: من عقدي الستينيات والسبعينيات.

هؤلاء الأقطاب الذين صعدوا على أكتاف الإيديولوجيا والأحزاب، حيث ساحات وسائل الإعلام التي كانت شبه فارغة إلا منهم، فكان أن غطوا على كل من جاء بعدهم ومن ثم شكلوا – ربما- «عائقاً» أمام ظهور أقطاب جديدة هي اليوم قابعة في الظل.. هنا الأجيال السابقة التي لا تترك مجالاً للاحقة لأن تخرج..!!

ما أريد أن أختتم به، إن ظاهرة التجييل والقطبية التي كانت حديث المشهد الثقافي قبل الدخول في الألفية الثالثة تكاد «تنقرض»، أو هي شبه منقرضة على مدى العقدين الآخرين!! ‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار