عن النظرة الغربية للصراع الأوكراني

عبد المنعم علي عيسى:
عشية دخول الحرب الأوكرانية شهرها العاشر كتب نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيدف مقالاً في صحيفة «روسيسكايا غازيتا» هو أقرب لجردة حساب تطول مجريات الصراع الدائر راهناً في أوكرانيا، وفي الوقت ذاته يعرض للتحالفات الدولية التي تبلورت على ضفتي ذلك الصراع، ثم يستشرف المآلات التي من المنتظر أن يصير إليها.
يقول ميدفيدف في تشريحه للموقف الغربي الراهن: «العالم الغربي يوازن بين رغبة قوية في إذلال روسيا وإيذائها وتقطيع أوصالها ومن ثم تدميرها بقدر الإمكان من جهة، وبين الرغبة في تفادي حدوث كارثة نووية من جهة أخرى»، والمؤكد هو أن هذا التشريح يمثل أبلغ صورة عن السياسة الغربية التي ما انفكت تبدي ميلاً متزايداً نحو تأجيج الصراع الأوكراني في محاولة للاستثمار في التداعيات التي يمكن له أن يتركها على الداخل الروسي، في محاولة لاستنساخ التداعيات التي خلفها الانسحاب السوفييتي من أفغانستان عام 1989 على الرغم من الاختلاف الكبير ما بين الحدثين، وإن كانت هناك بعض المعطيات التي تجعل منهما متقاربين أقله من حيث طبيعة الأهداف الخارجية التي تراهن على فعلي الاستنزاف وطول أمده وصولاً للمرامي التي تريد الوصول إليها.
تغيرت النظرة الغربية للكيان الروسي والدور العالمي الذي يمكن له أن يلعبه منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين للسلطة في الكرملين نهاية عام 1999، والتغير إياه سيبدو ملحوظاً في بناء الإستراتيجيات الأمريكية التي تحددها عادة وثيقة الأمن القومي التي تصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية بالتعاون مع مجلس الأمن القومي الأمريكي سنوياً، ومنذ العام 2003 فصاعداً كانت تلك الوثيقة الدورية غالباً ما تضع الاتحاد الروسي في موضع من يشق عصا الطاعة على «الديمقراطيات الغربية» الذي تعني تراجمه التمرد على نظام الهيمنة الغربية المتفرد بالسيطرة العالمية منذ العام 1991، لكن الفعل راح يتخذ ما بعد العام 2014، الذي شهد استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، طابعاً أكثر حدية بحيث طغى على وثائق الأمن القومي الأمريكي توصيفات من نوع «امبراطورية الاستبداد» التي تأمل في «استعادة أمجادها» الذي نجده في طبعة العام 2020 من تلك الوثائق التي راحت تقسم العالم، عبر لهجتها التصعيدية والتحريضية، إلى شطرين هما الغرب والسائرون في ركابه ثم الباقون ممن لا يتمثلون قيم هذا الأخير ونموذج عيشه، وعندما اندلعت الحرب الأوكرانية في شباط من العام الماضي ندد الرئيس الأمريكي بـ«قيام دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن بانتهاك سيادة دولة أخرى» في تكريس صارخ لنظرية تقسيم العالم إلى «فسطاطين» التي هي أشبه بنظيرتها عند منظمات تصنفها الولايات المتحدة بالإر*ها*بية، فالأوكرانيون، مثلاً، هم «مدافعون عن حريتهم واستقلالهم»، أما الفلسطينيون الذين حملوا السلاح دفاعاً عن ديارهم وصون هويتهم فهم «إر*ها*بيون»، والأمثلة لا تقف عند هذا المثال السابق بل تتعداها لتصبح مكرورة في العديد من الصراعات الدائرة على امتداد هذا العالم، والتي يتحدد الموقف الغربي منها قياساً بمعطيات لا تختلف كثيراً عن تلك التي يعتمدها هذا الأخير إبان مقاربته للأزمة الأوكرانية.
بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي العام 1990 قام معهد «استوكهولم للدراسات والأبحاث الإستراتيجية»، وهو أحد أهم المعاهد العالمية التي تعنى بالصراعات العالمية ويمثل إلى حدٍّ بعيد رؤية كبار المنظرين الغربيين لتلك الصراعات، بإصدار تقرير مطول يعرض من خلاله الرؤية الغربية لمستقبل الاتحاد الروسي الذي خرج إلى العلن بعد هذا التاريخ الأخير، وفيه، أي في ذلك التقرير، جاء بالحرف: “إن الدولة الروسية سوف تعود إلى أن تصبح «دولة مدينة»، وإلى ما كانت عليه قبل العام 1512م، حدودها حدود مدينة موسكو آنذاك”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار