لأنه الشعر
كان عمر الخيّام عالماً مُبدعاً في الرياضيّات وعلوم الفلك؛ ذلك ما كرّس له جلّ سنين عمره وحياته؛ غير أن الرجل؛ كان في أوقات فراغه يكتب الشعر، وثمة من يروي عنه؛ إنه كان يخجل أن يُسمي نفسه شاعراً، وكان يُجيب دائماً لا شاعراً بعد الفردوسي.. غير أنّ الشعر، وهذه من المُفارقات، هو من أدخل عمر الخيّام سجل الخالدين، ولو لم يكن لعمر الخيام سوى “الرباعيات” لاكتفى بها أنها عرّفت به العالم شرقاً وغرباً، حتى إنّ شاعراً مثل أحمد رامي تعلّم الفارسية لأجل عيون “رباعيات الخيام” ليترجمها ويصدح بها أهم صوت طربي في العالم العربي، وأقصد بذلك السيدة أم كلثوم.
وفي العالم العربي، وعلى مدى الأيام، ومنذ سنين موغلة في القدم؛ لايزال الشعر، هو الجنس الإبداعي الأول مهما برقت أضواء إبداعية أخرى، التي تزدهر حيناً، لكنها لا تلبثُ طويلاً حتى تعود لخفوتها. ذلك إن ثمة “تراكماً شعرياً” وتجربة شعرية واسعة وعميقة في كتابة القصيدة في المنطقة العربية، أدى إلى تطور عقلاني في مسيرة هذا الجنس الإبداعي، فما أن يستنفد شكلاً مُعيناً جمالياته كحامل للقصيدة حتى ينعطف صوب حاملٍ آخر.
هذا الشعر حيث كان “بيتاً” من قصيدة يرفع شأن قوم أو يذلهم، أو قد يدفع لحربٍ ضارية تمتدّ لأجيال. من هنا لا غرابة أن يسعى لقول الشعر ملوكٌ وزعماء، ويزعم قوله أثرياء وقادة، ومن أصحاب مهن مختلفة، كل ذلك لظنهم الأكيد إن ليس مثل الشعر يستطيع تخليدهم، لقد أنجز كل من نزار قباني وعمر أبو ريشة الكثير في السلك الدبلوماسي السوري، غير أنّ ما خلدهما، هو ما سجلاه في ميدان القصيدة. وفي الزمن القديم؛ كان امرؤ القيس، وأبو فراس الحمداني، وابن زيدون، وولادة بنت المستكفي، أمراء وقادة معارك، ومع ذلك لم يخلدهم سوى القصيدة. بل حتى القادة الذين بقيت أسماؤهم كنجوم مُضيئة في سماء التاريخ، كانت بفضل قصيدة قُيلت في حقهم مدحاً وحتى ذمّاً، ألم يُخلد أبو الطيب المتنبي سيف الدولة مؤسس الدولة الحمدانية بمدحه له في قصائده، تماماً كما خلد كافور الإخشيدي في هجائه له؟!.
وللشعر كلّ هذه الإمكانية؛ لغير سبب، فالشاعر قبل كل شيء كان رائياً وحكيماً، ومن هنا فالإنسان مدين في إنسانيته لتعانق الحب والشعر. هذه القصيدة التي بقيت تتعايش مع كل حاملٍ جديد من كتابتها على صخرة، وجلود الحيوانات والرقم الطينية، وحتى الكتاب الورقي ومواقع التواصل الاجتماعي، بل إن بهاء أجناس إبداعية أخرى: كالرواية والقصة والسينما وحتى اللوحة التشكيلية مدينة في انتشارها لحجم الشعرية فيها.
هامش:
……….
القبلةُ
الخالصةُ العذوبة؛
لا تأتي
إلا كسرٍّ عميقٍ سحريٍّ المذاق،
قبلةٌ
لا تقبلُ القسمة إلا على اثنين،
لا ثالث لهما في حقول نعنع الشفاه؛
حكمةٌ؛
تُفشي خلاصتها (الأعمالُ الكاملة) لعاشقين.