الوجه الخفي لأوروبا

عماد خالد الحطبة:

يقول لينين في كتابه «الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية»: لقد تضخمت مستعمرات الدول الست الكبرى بشكل ھائل بعد عام 1876، إذ ارتفعت المساحة المُستعمرة من 40 إلى 65 ملیون كیلو متر مربع، والزیادة تمثل 25 ملیون كیلو متر مربع، أي بزیادة واحد ونصف عن مساحة الدول المستعمرة “5.16 ملايين كیلو متر مربع”.

استرجعت ما كتبه لينين في سياق متابعتي لردود الفعل العربية على قرار البرلمان الأوروبي الأخير الداعي لاعتماد مبدأ حل الدولتين كأساس لحل القضية الفلسطينية، اعترف البيان بشرعية المخاوف الأمنية لتل أبيب وحقها في محاربة العنف وحماية المدنيين، كما أعرب عن أسفه لرفض «حماس» الإفراج عن جثتي الجنديين الإسرائيليين هدار غولدين وأورون شاؤول، بالطبع لم يتطرق البيان إلى آلاف الأسرى الفلسطينيين، وبينهم المئات من الأطفال والمرضى، فهؤلاء يعتبرون حسب التعريف الغربي – الصهيوني إرهابيين.

وجد الكثير من المعلقين أن هذا البيان يتناقض مع الروح الأوروبية، والمبادىء التي قامت عليها أوروبا خصوصاً وأنها موطن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا أستطيع إنكار شعوري بالخيبة من مواقف إعلاميين ومثقفين بلغ بهم الافتتان بالغرب حد نسيان تاريخ بلدانهم، ناهيك عمّا ارتكبه الأوروبيون بحق شعوب العالم الأخرى.

أكتب هنا لكل مفتون بأكذوبة الغرب المتحضر العقلاني، وأروي بعضاً مما ارتكبه هذا الغرب من جرائم، تجعلنا نقول دون تردد إن التنوير والمبادئ الغربية لم تكن سوى ويلات وصفحات سوداء في تاريخ البشرية، وأن البشرية دون أوروبا ومبادئها كانت لتتطور دون كل تلك الدماء التي أريقت على مذبح الرأسمالية.

الدنمارك الدولة الاسكندنافية التي يعتقد معظمنا أنها لا تملك تاريخاً استعمارياً، وأنها تدافع عن حقوق الإنسان لدرجة أن منتخبها في مونديال قطر رفض وضع شعار بلاده على قمصانه تضامنا مع معاناة العمال ومنع رفع شعارات المثليين، لقد قامت الحكومة الدنماركية في عام 1951 باختطاف مجموعة من أطفال السكان الأصليين لغرينلاند وإعطائهم لعائلات دانماركية لتقوم بتربيتهم كدنماركيين، بهدف إعادتهم في المستقبل ليكونوا حكام غرينلاند، كما قامت نفس الحكومة، في الفترة من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1991، بحملة منظمة لمنع نساء السكان الأصليين في غرينلاند من الحمل والإنجاب، دون معرفتهن ما يعتبر حسب القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية.

بلجيكا دولة أوروبية أخرى تشتهر بالشيكولاتة، ولا نكاد نسمع اسمها في الأحداث السياسية المعاصرة، لذلك يجهل كثيرون تاريخها الدموي، اعتبر الملك البلجيكي ليوبولد الثاني أن الكونغو من أملاكه الخاصة، علماً أن مساحتها أكبر من مساحة بلجيكا بـ 16 مرة، واستعبد سكانها وأجبرهم على العمل في جمع محصول المطاط وقام ما بين عامي 1885 و1908 بقتل أكثر من 10 ملايين مواطن كونغولي، وبتر في نفس الفترة أيدي حوالي 5 ملايين كونغولي بتهمة التقصير في جمع المطاط.

أما إيطاليا بلد دانتي وليوناردو دافنشي، فقد قتلت خلال استعمارها ليبيا أكثر من نصف مليون ليبي؛ في عام 1930 بدأت حملة الجنرال غراتسياني لتوحيد ليبيا والقضاء على الثورة في إقليم برقة، أسفرت الحملة عن مقتل 50 ألف ليبي منهم 12 ألف أعدموا دون محاكمات حقيقية، وأبعد 100 ألف من أبناء البدو عن مناطقهم في برقة، ومنحت أراضيهم للمستوطنين الإيطاليين، حشر البدو في معسكرات مكتظة من دون أي نوع من الخدمات الصحية أو الغذائية ويقدر أن أكثر من 40 ألف منهم ماتوا بسبب الأمراض وخاصة الحمى النمشية.

الإمبراطورية البريطانية صاحبة التاريخ الأسود، ارتكبت المجازر في كل مكان من العالم لكن تقارير وأبحاث جديدة أشارت إلى أن هذه الإمبراطورية نهبت من ثروات الهند ما بين عامي 1875 و1938 ما مجموعة 45 ترليون دولار، وأنها تسببت في موت أكثر من 165 مليون هندي بسبب الفقر والمجاعة والحروب، ويسجل التاريخ أن رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ارتكب واحدة من أبشع المجازر ضد البشر، عندما رفض تقديم المساعدات لشعب البنغال الذي تعرض لإعصار كبير، وترك 3 ملايين بنغالي يموتون جوعاً بعد أن قال جملته الشهيرة: «المساعدات لن تكفي إنهم يتكاثرون كالأرانب»، وأثبتت الوثائق لاحقاً أنه ارتكب هذه الجريمة عن قصد لتدمير البنية التحتية ونشر الأمراض لمنع اليابانيين الموجودين في بورما من احتلال الهند.

فرنسا موطن الحرية، والعقد الاجتماعي، والثورة الفرنسية، قتلت ما بين 5 – 9 ملايين جزائري مابين عامي 1830 و1960، من هؤلاء 42 ألفاً قتلوا بسبب 17 تجربة نووية فرنسية أجريت في صحراء الجزائر، ومنهم 45 ألف قتلوا في يوم واحد هو يوم 8 أيار 1945 عندما خرجوا للاحتفال بانتهاء الحرب العالمية الثانية، ومطالبة فرنسا بتنفيذ وعدها بالانسحاب من الجزائر.

طبعا تبقى ألمانيا صاحبة الجرائم الأكبر في التاريخ البشري، بخوضها حربين عالميتين كلفتا البشرية أكثر من مئة مليون قتيل، أستطيع الاستمرار في سرد جرائم الأوروبيين في أميركا، حيث أبادوا أصحاب الأرض الأصليين، وفي إفريقيا حيث اختطفوا الأبرياء من بيوتهم وحقولهم ليصنعوا تاريخ العبودية الأسود. نفس التاريخ يتكرر مرة بعد أخرى، وآخرها السلوك الإجرامي بحرمان الشعوب الفقيرة من مطعوم فيروس كورونا، والتباين الكبير في عدد من تلقوا اللقاح في أوروبا مقارنة بإفريقيا.

هذا هو تاريخ أوروبا وهذه هي مبادئها، لذلك لا يمكننا القول سوى إن أوروبا بإعلانها الذي تغاضى عن مأساة الفلسطينيين المستمرة منذ قرن من الزمان كانت وفيّة كل الوفاء لمبادئها الاستعمارية ولتاريخها الإجرامي.

كاتب من الأردن

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار