خبير اقتصادي يحمّل تراجع الولادات مسؤولية خسارة 75% من مجمل القوَّة العاملة في سورية
تشرين-بارعة جمعة:
يكثر الحديث عن مدخلات ومخرجات الأزمة التي عصفت بمناحي الحياة كافة، الاقتصادية منها والاجتماعية، إلا أن ما لم يتم التنبه له والحذر منه هو وصول أطراف هذه التأثيرات لتهديد استمرارية الجنس البشري على هذه الأرض، والذي بدوره سيعصف بما تبقى من مقوِّمات الصمود أمام هذه التبعات التي طالما كان الفرد هو الأكثر تأثراً وتأثيراً بها.
تحذيرات مسبقة
وما تم الحديث عنه وتداوله مؤخراً عن تراجع نسب الولادات وفق تأكيدات مدير مشفى التوليد وأمراض النساء في دمشق الدكتور “صلاح الشيخة”، لم يكن بمحض المصادفة، بل نتيجة إحصائيات مرفقة ومثبتة بالأرقام، لها أسبابها التي طالما كانت مقترنة بالحرب الأخيرة على البلاد.
الشيخوخة المبكرة تداهم سوق العمل وتدفع نحو خسارات مؤكدة
وما ثبت وفق هذا التصريح من انخفاض بعدد الولادات لنحو 400 ألف طفل خلال ستة أشهر الأولى من العام الحالي، يدعو الجميع للوقوف عنده برأي الخبير الاقتصادي عامر شهدا، لكونه يعتبر من المؤشرات الخطرة التي ستأخذ بالجميع نحو الاتجاه لمجتمع الكهولة، المرتبط بانخفاض الإنتاجية، ما سينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي بالشكل العام .
كما إن ما يحمله القادم من الأيام لا يبشِّر بالخير قياساً بهذه الإحصائيات برأي شهدا، ولاسيَّما أن ما ينتظر مستقبل الصندوق الاجتماعي للدولة لا يدعو للتفاؤل أيضاً، والذي أثبتته تجارب دول عدة كأوروبا، في مواجهتها للموقف نفسه في تراجع الولادات، الذي نتج عنه عدم قدرة صناديق الضمان الاجتماعي من دفع مستلزماتها للمتقاعدين، إثر التراجع في العمالة، ما جعل الأبواب مفتوحة لاستقطاب المهاجرين، بغية سد العجز لجهة الضمان الاجتماعي.
ركود اقتصادي
كما إن ما يعيشه واقع الاقتصاد المحلي يشي بالكثير من الانعكاسات لهذه الظاهرة، التي ستظهر آثارها جليَّة بوقت قريب برأي شهدا، لكون المشكلة لا تقتصر على استنزاف الموارد البشريَّة فحسب، فما نشهده منذ بداية الأزمة من تزايد في الهجرة المتزامن اليوم مع تراجع الولادات، سيؤدي حتماً لتراجع الطلب ضمن الأسواق المحلية، بغض النظر عن الارتفاع في الأسعار، نظراً لارتباط الركود بضعف الطلب بالدرجة الأولى، الذي سيسوق لتراجع بموارد الدولة، وبالتالي سيرخي بظلاله أكثر على واقعنا الاقتصادي المنهك.
مجتمع الكهولة صفة بغيضة في الأعراف الاقتصادية والاجتماعية
وفي عملية حسابية بسيطة قدمها شهدا حول علاقة الهجرة مع تراجع الولادات بنقص الموارد البشرية، بالاعتماد على تصريح وزارة الداخلية سابقاً بإصدار قرابة 950 ألف جواز سفر خلال العام الحالي، ومقارنتها بخسارة الولادات البالغة 600 ألف ولادة، يؤكد شهدا خسارة ما يقارب مليون و200 ألف عنصر بشري خلال العام الحالي، أي ما يعادل نسبة 75% من القوة العاملة في سوق الاقتصاد السوري.
سلوكيات خاطئة
وفي العودة لمكامن الخطأ والصواب في سبل التعامل مع هذه الأزمة، لابدَّ من التأكيد بأن الإدراك الشخصي لمفهوم تكوين العائلة وسط صعوبة تأمين مستلزماتها هو العائق الأول الذي يدفع بالشباب اليوم لاحتمالين برأي الخبير في الموارد البشرية الدكتور هاني حداد، أولهما الزواج دون الإنجاب، أو الطلاق تحت وطأة الظروف الصعبة، والتي تعود أسبابها لآثار الحرب والجنوح للانكماش في عملية التكاثر، الذي ولَّد فراغاً كبيراً في هرم الاحتياجات (ماسلو)، الذي شكلت قمته فئة الكهولة، والتي مصيرها الوفاة لاحقاً، فيما ارتفعت الطبقة الوسطى آخذة مكانها ومن ثم ترك مكانها فارغاً، ما أدى لتخفيض الكثافة السكانية بصورة سلبية على المجتمع ككل.
وفي مواجهة هذه الآثار المدمرة لطبيعة الحياة البشرية، لابد من اللجوء لمبدأ التوعية للمقبلين على الزواج وإقناعهم بمبدأ الاكتفاء بعدد محدد من الأطفال برأي حداد، تفادياً للقلة والكثرة المدمرة، يضاف لذلك تأمين عودة الشباب المهاجر للبلاد، وذلك للحد من ظاهرة التفكك المجتمعي التي طغت على المشهد، ولكون الجنس البشري هو الركيزة الأساسية لتأمين الكفاءات.
سد العجز
وعلى الرغم من الخطر المحدق في سوق العمل، لاتزال حتى اليوم ثقافة تدريب وتأهيل الكوادر البشرية ضعيفة ضمن سياساتنا الاقتصادية برأي حداد، والتي من الواجب تفعيلها بقوة لدمج قليلي الخبرة في سوق العمل، والذي يعد وسيلة لتفادي الخسارات القادمة.
تأهيل جيل جديد من الولادات يستغرق ٢٥ سنة على الأقل
وما نواجهه اليوم هو فقدان جيل كامل يحتاج لما يقارب ال25 سنة لتنشئته ضمن ظروف وشروط ونفقات معينة، متسائلاً.. هل من ضمانات لبقائه وعدم هجرته لاحقاً؟!!
والذي بدوره يثبت بأن الولادات ليست الحل الأمثل لتفادي الواقع الاقتصادي الراهن، الذي باتت فيه جميع القطاعات خاسرة برأي خبير الموارد البشرية الدكتور هاني حداد، لكون الاقتصاد يمثل الهيكل والبنية الأساسية لجسد البلاد، التي من واجب الجميع العمل على جعلها الأكثر تماسكاً وقدرة على المواجهة.