رأى الشاعر والمفكر العربي السوري أدونيس أن المنطقة العربية والمجتمع العربي تعرض في تاريخه إلى (عثمانيتين) لا عثمانية واحدة كما يظن الجميع. وقال أدونيس في حفل تكريمه في المكسيك مؤخراً بمناسبة ترجمة ملحمته (ادونيادا) إلى الإسبانية، قال إنه بعد الحرب العالمية الأولى وعند سقوط الخلافة العثمانية جاء الغرب ليحل محلها. وأقام عثمانية جديدة أوروبية، فكيف يمكن أن نستقرئ معنى هذا الطرح؟ وما الذي دعا أدونيس ليطلق على الاستعمار الأوروبي (العثمانية الجديدة)؟؟ وأين الاستجابة العربية للعثمانيتين بعد كل هذه التجربة التي عاناها العرب معهما؟؟
من الواضح أن أهم ما دفع أدونيس إلى وصف الاستعمار الأوروبي بـ(العثمانية الجديدة) هو سلوكها في استخدام الدين لإخضاع الشعب العربي،وكما قامت العثمانية الأولى على أساس الدين كمبرر لسلطتها وأداة لحكمها فإن الاستعمار الأوروبي استفاد من هذا المكرر و استخدم الدين لإخضاع الوطن العربي، و بات معروفاً ومؤكداً دور الأجهزة الاستخباراتية البريطانية والفرنسية في تكريس الطوائف و تعميق الخلاف بينها و مأسسة صراعاتها بشكل جعل العربي من هذا الطرف ضد العربي من ذاك الطرف. وكل الأطراف الطائفية صارت تلجأ للمستعمر ليحكم بينهم ولتحصل على مكاسب منه ضد إخوتها الآخرين. وبريطانيا التي ساهمت أساساً في إسقاط الخلافة العثمانية كمنافس سياسي في العالم. حافظت على موضوع الخلافة كفكرة مدمرة للمجتمع العربي. وبعد سقوط الخلافة العثمانية بقليل دعمت بريطانيا وفرنسا قيام (جماعة الإخوان المسلمين) التي تسعى حتى الآن لإقامة الخلافة، وكانت بذرة الاستخدام السياسي والعنفي للإسلام في تفتيت وإضعاف وإخضاع العرب، ومازال الأمر مستمراً حتى الآن. ولم يكن ما يسمى (الربيع العربي) إلّا من تجليات استخدام الدين المحرف و المشوه في تدمير المجتمع العربي.
وأخطر ما فاقمته العثمانية الجديدة (الغربية) عبر أدواتها هو تحريف الدين وقلبه من (روح جامعة) إلى (عصبيات متقاتلة) وبذلك حققت هدفها الشيطاني بحرمان المسلمين العرب من قوة روحية تسهم في توحيدهم المستدام. والأشد مكراً في هذه السياسة أنها جعلت من الدين بعد ما شوهته عامل تقسيم وفرقة. وباسم الإسلام قامت العثمانية جديدة بمحاربة جوهر الإسلام وروحه الجامعة.
كلتا العثمانيتين سعت إلى إلغاء العروبة، وما كان رفعها لشعار الدين إلّا وسيلة منافقة هدفها إبعاد (روح العروبة) التي يشكل الإسلام والمسيحية جناحي روحها الإنسانية، وينعش نبضها العربي الموحد للعرب. كلتا العثمانيتين جعلت محاربة العروبة طريقتها في إخضاع العرب. ولتحقيق ذلك عمدت إلى استخدام الدين بتشويهه أولاً وباستخدام المشوه منه كأداة تقسيم وفتنة.
وسؤال المنطق التاريخي يلح: لماذا لم ينتبه ولم يتنبأ العرب لما يحاك ضد الإسلام والعروبة؟، ولماذا لم تنهض (عروبية) الأمة في مواجهة العثمانية الغازية القديمة والجديدة ؟، لماذا لم نتمسك ونقوي ونطور عروبية الأمة وهي القوة الجامعة والروح المبدعة والطاقة المستدامة؟، هل فات الوقت؟، وهل نستمر في هذا العمى و التقصير؟؟!!