لافروف والصين و”عقيدة مونرو” الاقتصادية الأمريكية!
أ.د. حيان أحمد سلمان:
قال السيد وزير خارجية روسيا (سيرغي لافروف) خلال اجتماع الدورة ال /77/ للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13/9/2022 “إن أمريكا تريد توسيع نطاق سيطرة “عقيدة مونرو” لتشمل العالم بأكمله، وإن الأمن الدولي في خطر”، ويأتي هذا القول والعالم يشهد تغيرات كبيرة في موازين القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها، ويترافق هذا مع توجه دولي لإقامة عالم متعدد الأقطاب، ورفض القطبية الأمريكية الأحادية، ومن خلال قراءة محايدة لتاريخ السيطرة الأمريكية العالمية تبين لي أنها لا تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية ومؤتمر (بريتون وودز) سنة /1944/ وحسب، بحضور /44/دولة والذي رسخ الدولار كعملة للعملات، بل وجدت أن قادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها سنة /1776/ أي قبل /247/ سنوات، كانت لديهم تطلعات للسيطرة على العالم حتى لو تطلب ذلك إبادة الكثير من شعوب العالم، كما فعلوا ب”الهنود الحمر ” السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية، ومع تطور النزعات الاستيطانية الأمريكية توصلوا إلى نظرية اقتصادية تجسدت بعقيدة تدعى “عقيدة مونرو” فما هذه العقيدة؟
عندما عدت إلى القاموس وجدت أن مصطلح (عقيدة مونرو) أتى من كلمتين هما ( عقيدة ) وتعني [ الأمر المحكم أو الربط والإبرام أو الشد بالقوة أو التماسك والإثبات أو اليقين والجزم …إلخ ]، أي إنها تتجاوز المعنى الديني، و(مونرو) هو الرئيس الأمريكي الخامس سنة /1817/ ، ومهندس العقيدة هو وزير الدولة في ذاك الوقت السيد ( جون كنيسي أدامز ) الذي أصبح رئيسا سادسا لأمريكا، وكان يفاوض للحصول على (فلوريدا) من إسبانيا المدعومة من فرنسا لاستعادة مستعمراتها في أمريكا الجنوبية، وركزت (عقيدة مونرو) على عدة مبادئ منها على سبيل المثال وليس الحصر [أن أمريكا للأمريكيين، مع رفض أي تدخل أجنبي في القارة الأمريكية الشمالية والوسطى والجنوبية، وحذرت من خطورة سيطرة الإمبراطورية الروسية سنة /1823/ على المحيطين الهندي والهادي والقطب الشمالي..إلخ]؟ واستخدمت العقيدة تاريخيا، قديما وحديثا ؛ وفي عصرنا الحالي مثلا بمحاصرة (كوبا ) سنة /1962/) في عهد الرئيس الأمريكي الخامس والثلاثين ( جون كيندي ) أثناء أزمة الصواريخ ( السوفييتية )، التي كادت توصل العالم إلى حرب عالمية ثالثة، وأيضا في عهد ( دونالد ترامب ) سنة /2017/ باحتمال احتلال ( فنزويلا ) بعد رفضها الإملاءات الأمريكية.
والسؤال الآن: هل يستخدم الرئيس ( جو بايدن ) الرئيس ال/46/ هذه العقيدة بعد تصريح ( لافروف ) وبعد زيارة الرئيس الصيني ( شين جين بينغ ) إلى السعودية وعقد /3/ قمم (سعودية – خليجية – عربية)، في وقت تشتد فيه المنافسة الاقتصادية الصينية – الأمريكية وبما يشبه الحرب التجارية، فهل ستخرج المنطقة العربية من العباءة الأمريكية كما خرجت بعض دول أمريكا الوسطى والجنوبية؟ وأمريكا التي تريد ربط العالم بعجلة اقتصادها، والدليل أن لديها أكثر من /800/ قاعدة عسكرية في أكثر من /70/دولة وتنشر أكثر من /300/ ألف جندي خارج حدودها ، ومنها في سورية لسرقة مواردها ودعم العصابات الانفصالية وتقسيم سورية، وتسعى إلى السيطرة على المحيطات والقوى البرية والبحرية والفضائية وغيرها؟
لكن بالمقابل يوجد اتفاق أو تحالف ( روسي -صيني – كوري شمالي – إيراني ) يرفض السياسة الأمريكية، وها هي زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية واجتماعه مع أكثر /30/ دولة ومنظمة دولية للتنسيق الاقتصادي وزيادة التبادل التجاري والاستثماري، وقد عبرت أمريكا عن عدم رضاها عن الزيارة ونتائجها، ولاسيما أنه تم توقيع اتفاقيات بعشرات مليارات الدولارات والدعوة لزيادة الاستثمارات الصينية للتعامل بالعملات المحلية واليوان الصيني، ما يقلل من هيمنة الدولار الأمريكي
( البترو دولار )، وتوسيع دائرة التعاون الاقتصادي مع الدول العربية، والتعاون في مجال الطاقة الخضراء وتكنولوجيا المعلومات والخدمات والنقل والبناء والبنية التحتية والمجالات الفضائية والنووية، وأعلن الرئيس الصيني عن ضرورة ( فتح عصر جديد للعلاقات بين الصين والعالم العربي وإفريقيا)، وإنشاء مراكز صينية -إقليمية في دول المنطقة.
وتتكامل الزيارة مع موافقة بعض هذه الدول على المقترح الروسي بتخفيض الإنتاج اليومي من النفط بمقدار مليوني برميل خلال اجتماع ( أوبك بلاس +)، وعبر البيت الأبيض عن استيائه من التخفيض والزيارة، ومباشرة بادرت الإدارة الأمريكية بالدعوة لعقد قمة
( أمريكية – إفريقية ) لمدة /3/ أيام من تاريخ 13/12/2022 للتركيز على التجارة والاستثمار والأمن وتطوير الشراكة فيما بينهما.
وهنا نسأل: هل ستعود أمريكا لإحياء “عقيدة مونرو” مجددا، لكنها تدرك أن معالم العالم تتغير ، وقد تظهر عقائد جديدة في ظل تغير موازين القوى وتزايد التنافسية الاقتصادية في منطقتنا؟ وبرأينا أن كل الاحتمالات مفتوحة على المستقبل، والشيء الثابت هو التغير والتحول.