لم يتردد الفلاحون- رغم النكبات المستمرة- في تلبية نداء زراعة أرضهم بمحصول الذرة الصفراء الاستراتيجي، فكان الإنتاج وفيراً من دون وضع خطة للتصريف والتصنيع، ما أوقع المزارعين في فخ ضياع الجهد ودائرة الخسارة، والأمر ذاته ينطبق على موسم الزيتون، الذي عدّ الأفضل منذ 30 عاماً، لكن سوء استثمار هذا الموسم الوفير حضر أيضاً، لناحية التصدير دوغما، وعدم الاستفادة من إنتاج منطقة الساحل الكبير في إنعاش صناعة صابون الغار الحلبي، الذي يواجه صعوبات عديدة تسببت بإيقاف معظم المصابن عن العمل.
صناعة صابون الغار الحلبي، عانت كغيرها من الحرف والصناعات من نقص المحروقات، لكنها الأكثر تأثراً لكونها حرفة موسمية، حيث تبدأ عمليات التحضير والإنتاج من شهر كانون الأول وحتى شهر آذار، وبالتالي أي تأخير في تأمين مستلزمات الإنتاج يعني تفويت الموسم، وهذا الأمر يتضرر منه فلاحو الزيتون وحرفيوه معاً، فما الذي يمنع اتخاذ إجراءات وقرارات نوعية خلال هذه الفترة لضمان تصريف موسم الزيتون وتشغيل المصابن كافة، عبر تأمين مستلزمات الإنتاج وتوفير كل ما يلزم لتشغيل كامل المصابن وخاصة أن صابون الغار يعد منتجاً تصديرياً يرفد الخزينة بالقطع الأجنبي، وهو مطلوب عالمياً، كما أن دعمه يحد من غشه والمتاجرة بسمعة هذا المنتج المحلي، إذ يستغل بغض المخالفين الفراغ الحاصل وموجة غلائه إلى صناعة صابون مغشوش، علماً أن ظاهرة الغش تطورت إلى نطاق دولي عبر قيام بعض الدول كتركيا بتصنيع منتج مشابه والادعاء أنه غار حلبي في محاولة لتشويه سمعة هذا المنتج المحلي عالمياً، ما استدعى رفع دعوى في فرنسا ضد من يتاجر باسم صابون الغار الحلبي، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لحماية هذا المنتج المحلي الصرف، والعمل بالتوازي على عودته إلى عزّه السابق وتأمين مستلزمات إنتاجه وتخفيض تكاليفه حتى يقدر المواطن على شرائه.
صون حرفة صابون الغار الحلبي وحمايته من الغش وتشويه سمعته، استلزم “فزعة” جماعية من حرفييه وخاصة العائلات المعروفة التي ورثت هذه الحرفة أبّاً عن جد، لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي والسعي لإدراج هذا المنتح المحلي على لائحة التراث الانساني العالمي أسوة بالوردة الشامية والقدود الحلبية، والمساهمة بتذليل عقبات التصنيع واستثمار موسم الزيتون الوفير قبل فوات الأوان، فهل يلقى هذا التعاون المثمر استجابة فورية عند أصحاب القرار ويبادرون إلى إنقاذ هذه الصناعة المهمة أم إن التقصير سيحضر كالعادة وسينتهي الموسم من دون حلول تعيد المصابن إلى دائرة الإنتاج وتمنع تفويت موسم الزيتون الخير.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات