الحركةُ الشعريّةُ في سورية – الساحل أنموذجاً
تشرين- ثناء عليان:
اختتم مهرجان الشاعر نديم محمد للشعر والنقد فعالياته بندوة جاءت بعنوان «الحركة الشعرية في سورية- الساحل السوري أنموذجاً» شارك فيها الدكتور أسامة ميهوب عميد كلية الآداب في طرطوس والدكتور محمد علي.
بدايةً تحدث الدكتور ميهوب عن مرحلة البدايات ودور المنابر والمجلات الثقافية وأثرها في رفع الشعر في منطقة الساحل السوري، لافتاً إلى تجربة مجلة النهضة التي صدرت عام 1937 على يد الدكتور وجيه محي الدين، ومساعدة الشاعر حامد حسن في تحريرها، إذ كان الأكثر إقداماً في الموضوعات الأدبية، أما الموضوعات الفكرية فكانت من اختصاص الدكتور محي الدين الذي حاول أن يحدث ما يسمى الحركة الانفتاحية في الساحل السوري، وأراد لرجال الدين أن يشاركوا في هذا الإنجاز، فظهر لدينا من يمكن أن نسميهم الشيوخ الشعراء ومنهم: أحمد علي حسن، والشيخ عبد اللطيف إبراهيم ومن الكتاب الناشرين فيها أيضاً عبد الرحمن الخيّر، وقد أخذت المجلة على عاتقها إظهار الساحل السوري ثقافياً وإشراكه في الحياة الثقافية، فعملت على نشر النشاط الشعري، وبدأ عدد من الشعراء ينشرون فيها، وفسحت المجال للشعراء الشباب لنشر أولى تجاربهم.
ولفت ميهوب إلى أن الدكتور محي الدين كان يرى أن الطباعة والنشر من أهم ركائز التنوير، لذلك دعا لإنشاء مطبعة في طرطوس تتولى نشر المجموعات الشعرية لهؤلاء الشعراء، وفي العدد الثالث من هذه المجلة التي كانت تطبع في طرابلس بشرت بصدور أول مجموعة شعرية في الساحل السوري وهي ديوان «ثورة العاطفة» للشاعر حامد حسن، والحق أن مجلة النهضة تبنت الأصوات الشعرية وحفزتها على الاندماج في المشهد الثقافي العام.
وأشار ميهوب إلى صدور مجلة «القيثارة» عام 1946 في اللاذقية وكانت لها أهمية كبرى على المستوى الشعري، إذ فسحت المجال للكثير من الأسماء الشعرية للنشر عبر صفحاتها مثل: نديم محمد الذي نشر أناشيده الأولى من (الآلام) على صفحاتها كذلك أدونيس وحامد حسن، وكانت هذه المجلة تنشر الشعر من خلال ثلاثة نماذج منها رياض الشعر والشعر التقليدي والشعر المحكي وتنشر قصيدة النثر تحت مسمى لآلئ منثورة، وقد تحملت الكثير من الاتهامات لجرأتها في نشر قصيدة الزجل، ويسجل لهذه المجلة ترجمة الكثير من النماذج الشعرية الأوروبية وخاصة الفرنسية، وتركت في أعدادها الـ 12 بصمة واضحة في توثيق النشاط الشعري في الساحل السوري.
وجاءت مشاركة الدكتور محمد علي تحت عنوان «تحولات القصيدة العربية في الساحل السوري» حاول خلالها رصد أهم التحولات التي ميزت القصيدة العربية في الساحل السوري خلال النصف الثاني من القرن العشرين، مترسمةً طريق البحث عن أسباب هذه التحولات، وعوامل تشكّلها منها: الفلسفية– الفكرية، والاجتماعية– السياسية، والجمالية – النفسية، والتأثرية – التثاقفية.. وقد تجمّعت هذه العوامل –حسب د. علي- في مشروع مجلة شعر التي كانت منبراً للشعراء الذين وجدوا فيها منفذاً للتعبير عن رؤى جديدة في الشعر والنقد، لافتاً إلى أن المجلة بدأت مع شتاء 1957 واستمرّت حتى خريف عام 1964، وكان أدونيس– الشاعر والمنظّر الذي ينحدر من الساحل السوري أحد أبرز أعلامها، وقد أرست مجلة شعر مجموعة من القواعد الدينامية التي شقت مسارات جديدة للشعر العربي، أهمها: حداثة التشكيل الموسيقي القائم على قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وحداثة التشكيل اللغوي وانزياحات الصور التي جعلت التعبير عن الفكرة يتم من خلال الصورة أو بالصورة.
وتوقف د.علي عند تجليات هذه التحولات عند الشاعر محمد عمران بوصفه أحد أعلام الحداثة الشعرية العربية من الجيل التالي لجيل الرواد، وقد تشبّع هذا الجيل بمعطيات الحداثة، وتمثّلها في شعره، ومن هنا جاء اختياره له بوصفه أنموذجاً متقدماً من نماذج الحداثة الشعرية العربية؛ إذ استطاع عمران، خلال تجربته الشعرية التي امتدت أربعة عقود، تشكيل صوت شعري متفرّد، فترك للمكتبة العربية (13) مجموعة شعرية منشورة، فضلاً عن قصائد أخرى لم تجد طريقها للنشر ضمن أعماله الكاملة التي نشرتها وزارة الثقافة السورية في العام (2000 م).
ولفت إلى أهم التجليات الحداثية في شعر محمد عمران، فيمكن تقسيمها إلى مستويين: حداثة المضمون وحداثة الشكل، وقد تجلّت الرؤيا في شعر محمد عمران بوساطة تقنيتي الحلم الشعري والنبوءة الشعرية.. ثم تناول تجربة الشاعر الإبداعية على مستوى اللغة والصورة الشعرية والموسيقا الشعرية، مؤكداً إدراك الشاعر محمد عمران أن الحداثة هي طريق الشعر نحو الخلود، وأنها ضرورة أساسية من ضرورات التطور الحضاري والفكري والفني، فأخلص لها على مستوى المضمون والشكل، ورفد قصائده بعناصرها المتعددة، وبذلك فقد أسهم عمران في تشكيل قصيدة عربية حديثة تحاكي روح العصر الذي يعيش فيه، فكانت هذه القصيدة نقلة نوعية في مسيرة الشعر العربي، بما تحمله من رؤية حداثية متجددة، تجاوزت الموروث دون أن تتنكر له.