الشاعرُ الغنائيُّ الراحل صفوح شغالة..عندما أصبح كاتبُ الأغنية نجماً

تشرين- سامر الشغري:
كاتب الكلمات في الأغنية العربية عموماً وفي السورية خصوصاً هو بمنزلة مكسر العصا، ويكاد أن يكون مجهولاً أمام هالة الضوء التي تلاحق المطرب وتعطف على الملحن، لذلك، فإن شعراء الأغاني الكبار لدينا مثل عمر حلبي وفوزي المغربي وأحمد قنوع وعصام جنيد لا يعرفهم إلا القلة، ولكن الراحل صفوح شغالة كان الاستثناء الذي كسر القاعدة.
والواقع أن ما دفعني لكتابة هذه المقالة ما قرأته في جريدة لبنانية بأن الراحل شغالة هو شاعر الأغنية السهلة، وهو قول غير منصف ولا دقيق، فهناك فرق بين الأغنية السائرة والقريبة من الناس ونظيرتها السهلة، لذلك لا نستطيع أن نقول إن نزار قباني كان شاعر القصيدة السهلة، لأن لديه أكثر من سبع وسبعين قصيدة غناها المطربون.
كانت سيرة حياة الراحل شغالة هي التي صنعت منه شاعراً غنائياً لعله الأهم على المستوى العربي خلال ربع القرن الفائت، لقد استمعت إليه في نيسان من سنة 2017 يروي بلهجته الحلبية المغرقة تلك السيرة وما فيها من محطات متنوعة ومتناقضة، خلال ندوة «أماسي» التي كان يقيمها المركز الثقافي في «أبو رمانة» من إعداد الإعلامي ملهم الصالح.
تعود جذور شغالة إلى حي الجلوم أحد أحياء حلب الضاربة في القدم، فهو يلاصق الجامع الأموي وسوق المدينة الشهير، ولكن شغالة تنقل مع أسرته في أماكن عدة من حي صلاح الدين إلى الجميلية التي كانت أول حي بني في الشهباء خارج مدينتها القديمة، وهنالك افتتح والد صفوح محلاً لكيّ وغسل الملابس.
هذا المحل كان بمنزلة صالون ثقافي ورياضي أطل منه صفوح الصغير على الحياة، فكان يستمع لأساتذة اللغة العربية الذين يأتون للمحل عقب انتهاء الدوام المدرسي ويتبارون في الشعر، ويتجادلون حول أهم شاعر عربي، فزرعوا في قلبه حب المتنبي وحفظ قصائده، أما الصنف الثاني من الناس الذين كانوا يرتادون المحل فهم الرياضيون، إذ كانوا يتنافسون في المكاسرة، ثم يذهبون لحضور عروض أفلام صالات السينما، ويصطحبون معهم صفوح الطفل.
هذا الجو الحلبي المشحون بالثقافة وحب الحياة كان المدرسة الأولى لشغالة، أما المدرسة الثانية فكانت بعد سفر أسرته إلى مصر للعمل والإقامة، إذ سكنت في حي مصر الجديدة، وهنالك اطلع شغالة على الفن المصري، وتابع السينما، واستمع إلى الأغاني بكثافة.
المحطة الثالثة التي أثرت فيه كانت بعد عودته إلى سورية لأداء خدمة العلم، إذ جاءت خدمته في منطقة البوكمال المحاذية للحدود مع العراق، وشرع أيضاً بتعلم التراث الغنائي الفراتي السوري والعراقي، وأتقن اللهجة البدوية.
ودفعته حاجته للمال لأن يعمل بائع خضرة طوال أربع سنوات، ولكنه لم يشعر بأن هذه المهنة تناسبه غير أنها في الوقت نفسه هي التي جعلت منه شاعراً كما كان يقول، ذلك أنه خلال قضائه عقوبة السجن شهرين من جراء مخالفة تموينية التقى بأحد شعراء المواويل الكبار في حلب واسمه أبو قدور خياطة الذي أخذ عنه 800 موال.
وكان أول مشوار شغالة في الكتابة من خلال تأليف نحو عشرين أغنية لإحدى مطربات حلب ألحان الموسيقي كامل بازرباشي، بيد أنه شعر أن طموحه أكبر، فسافر إلى مصر التي تضج بشعراء الأغنية، وكوّن صداقات مع ملحنين وموزعين في طليعتهم شاكر الموجي الذي شكل معه ثنائياً ناجحاً. ومنذ عام 1985 وحتى وفاته تفرغ شغالة لتأليف الأغاني، وبلغ الذرا في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولاسيما عبر علاقته الطويلة مع الملحن اللبناني جورج ماردوسيان، وشرع المطربون يتهافتون على كلماته التي كانت بوابتهم للعبور نحو الجماهيرية، وقلما أن وجد مطرب في تلك الحقبة لم يغن من كلماته، وهم معذرون في ذلك لأن كلمات أغانيه فياضة ومتدفقة شديدة التنوع، وكان بوسعه دائماً وضع ثيمات لكل أغنية تجعل الناس يرددونها مثل (أمنين) لديانا حداد و(لا لي ليل) لألين خلف.
ساعدت الثقافات الواسعة التي اطلع عليها شغالة في جعل كتابته شديدة التباين، وكان يقول عن نفسه أنا الشاعر الغنائي الوحيد الذي يستطيع كتابة كل اللهجات والمدارس وهو محق في ذلك، فأين أغنية (قوموا لنرقص عربية) لشادي جميل (من إرجع للشوق) لأليسا وأين (فرصة عمر) لعاصي الحلاني من (يالحبيب) لنجوى كرم، بل إن شغالة تطرق لموضوعات قليلة الشيوع في غنائنا العربي، فسخر من تردي الواقع الفني الحالي كما في أغنية (يا أهل المغنى) التي غنتها فلة الجزائرية، مستلهماً رائعة الشاعر بيرم التونسي الذي تأثر به كثيراً «يا أهل المغنى».

ولم يكن نتاج شغالة حكراً على أغاني الحب والعاطفة، فلقد أعطى للوطن وقضاياه الكثير، وتغنى بمدينته حلب وبكى ما طالها من خراب مع قلعة حلب وشهبا (شو عملو فيكي) لشادي جميل و(آهين يا حلب) لنهاد نجار، وتطلع لمستقبل أفضل عبر (شوفوا بلدي) لميادة بسيليس وتأثر بتضحيات الجيش العربي السوري مع (سيد الأباة) لريم نصري. وتوج شغالة موقفه من وطنه بعودته إلى سورية في أقسى سنوات الحرب عام 2013 ليشارك كما قال في الدفاع عنها، في وقت كان الكثيرون يبتعدون عنها ويتشحون باللون الرمادي، فكان كما المتنبي في ارتباطه بما يقول، فكتب شغالة في أغنيته التي أداها الفنان محمد خير الجراح، أن أصله حلبي وأنه ابن المدينة التي لم تعرف حجارتها الذل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا