آلية جديدة للحدّ من حالات التسول.. التعامل مع 250 حالة تسول في دمشق وريفها خلال الأشهر الماضية
تشرين – نور ملحم:
بدت عليه مظاهر التردد، عندما طلبت منه الجلوس ليتناول قطعة بيتزا ،يحمل كيساً مملوءاً بعلب المحارم، يبيعها مقابل سعر يبدأ بـ 3 آلاف ليرة ويتوقف العد التصاعدي لهذا السعر، حيث يتوقف كرم زبون المطعم أو أي شخص من المارة في الطرق، ولذلك فور جلوسه على الطاولة قال: اشترِ مني علبة محارم؟
تعدّ ظاهرة تسول الأطفال أو بيعهم أشياء بسيطة، كالبسكويت أو المسكة أو المحارم، أمراً مألوفاً للعين في دمشق، إذ تجدهم على أبواب المقاهي والمطاعم ومن يمتلك الجرأة منهم يستطيع الدخول إلى المطعم أو المقهى لعدة دقائق قبل أن يطرده القائمون عليه لمنعه من مضايقة الزبائن، كذلك تراهم يجوبون الحدائق العامة والشوارع، بمعدل سبع إلى تسع ساعات من التسول المتواصل يومياً.
بذلت جهداً كبيراً لإقناع محمد (ذي الثلاثة عشر عاماً) بالجلوس والحديث عندما دخل المطعم، إذ كنت بانتظار طفل ما يدخل ليبيع أي شيء، لم يكن راغباً في الحديث إلي، ولكنه كان مصمماً على بيع أكثر عدد ممكن من العلب، ورأى أمامه شخصاً من الممكن أن يشتري منه عدداً جيداً منها.
عصابات تدير عمليات التسول بشكل منظم وتشغل الأطفال مقابل مبالغ زهيدة
حاول ببراءة الأطفال أن يخدعني بشأن اسمه، عندما علم أنني صحافية: “قولي إن اسمي محمد” أخبرته بأنني سأكتب عنه باسمه المستعار الذي يختاره هو ووافق بصعوبة.
يقول محمد: إنه من محافظة حلب، ودرس حتى الصف الثاني الابتدائي، قبل أن يخرج من المدرسة ليعمل في بيع المناديل، له ثلاثة إخوة، أختان وأخ، أكبرهم سناً يبلغ من العمر 15 عاماً، وهو يبحث عن عمل بعد أن قرر ترك مهنة بيع الأقلام والمناديل والتسول.
يتابع لـ”تشرين” : “أعمل منذ نحو الساعة الثامنة صباحاً حتى العاشرة والنصف ليلاً، أحياناً أتعرض لطرد وتعنيف من قبل القائمين على المقاهي والمطاعم، إضافة للإهانة من قبل رب العمل الذي يؤمن له البضائع في حال عدم بيعها جميعاً .
يتحفظ محمد على المبلغ الذي يجنيه يومياً من العمل في بيع المناديل، وقد تهرب مراراً عند سؤاله عن ذلك، كما لم يفصح عن والديه إذا كانا يخافان عليه لبقائه إلى الساعة العاشرة والنصف ليلاً خارج المنزل، قال فقط إنهما يعرفان أنني سأعود للمنزل عند تلك الساعة.
يختم حديثه بأنه يرغب في تعلم مصلحة، على أن يكمل تعليمه في حال تركه العمل في الشارع وهو أمر مفروغ منه بحسبه، ولكن ينتظر حتى يكبر بضع سنين أخرى.
10 آلاف في اليوم
ظاهرة تسوُّل الأطفال أو عملهم في بيع بعض الأشياء البسيطة كالبسكويت والولاعات أو المناديل أو الأقلام، هي مهنة حقيقية تدفع بعض العائلات هنا أبناءها للعمل فيها، وإن الأمر ليس بعفوي ولا مؤقت بالنسبة لهم، فالطفل خلال الساعات السبع أو أكثر يحصل على مبلغ لا يقل عن 10 آلاف ليرة سورية بحسب أبو منذر صاحب المطعم الذي يتردد عليه العديد من الأطفال .
يقول أبو منذر لـ(تشرين): معظم الأطفال يعملون تحت رقابة شخص معين حيث بإمكانه رؤيتهم ومراقبتهم في حال حدوث مكروه لهم، مشيراً لنا إلى شاب بعمر 30 عاماً يقف ويراقب عن كثب ونحن نتكلم مع الطفل .
يضيف الأربعيني، هم يلعبون على عواطف الناس، في بعض الأحيان يعطي بعض زبائننا هؤلاء الأطفال مئتين أو أكثر، من دون أن يشتروا منهم شيئاً لتأثرهم البالغ بنمط حياتهم وأوضاعهم.
لن يفاجئك منظر أمٍّ تتوسد الرصيف في منطقة البرامكة، ولا صغار يبيعون الخبز أمام الأفران، هؤلاء تم استغلالهم من قبل عصابات تدير بشكل منظم عمليات التسول، وتشغّل الأطفال مقابل مبالغ زهيدة.
خوفنا من رب العمل وليس من التحرش
تتحدث منيرة “12 عاماً” لـ”تشرين”: أقوم بتأمين كمية من الخبز عن طريق المعلم المسؤول علينا ومهمتي بيع الكمية جميعها مقابل 5 آلاف ليرة سورية يومياً وفي حال عدم قدرتي على بيع الكمية المحددة يتم الخصم من المبلغ المتفق عليه .
طفلة متسولة: أخاف من العقاب الذي يوجه لي من قبل رب العمل، أكثر من التحرش
وتبين الفتاة الصغيرة، كثير من الأحيان لا أستطيع بيع أكثر من أربع ربطات لذلك علي أن أبقى لوقت متأخر من أجل بيع ما تبقى معي من خبز، وتؤكد منيرة لنا: أنا لا أخاف من أي عملية تحرش كفتاة فهناك من يقوم بحمايتنا في حال حاول أحد الشباب التحرش بنا، ولكن أخاف من العقاب الذي يوجه لي من قبل رب العمل في حال عدم قدرتي على بيع الخبز.
لا قانون للمتسولين
يؤكد المحامي حسام الدين عضو نقابة محامي دمشق في تصريح لـ”تشرين” عدم وجود قانون يخص المتسولين وإنما هو ثلاث فقرات ضمن قانون العقوبات، لافتاً إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ليست مخولة بحجز المتسول وإنما تعطي القرار للجهات الأمنية في هذه المهمة، حيث تكون العقوبة من شهر إلى شهرين وعندما يخرج المتسول يعود إلى المهنة ذاتها، هنا نجد المشكلة وقد عادت إلى نقطة البداية، وحسب الدين، فإن نسبة كبيرة من المتسولين يحققون ربحاً شهرياً ما يعادل 600 ألف ليرة… هذا ما يؤكد صعوبة التعامل مع هؤلاء لأن في اعتقادهم لا يوجد دخل بديل يدرّ عليهم ولو نصف هذا المبلغ، كما أن التسول يعد مرحلة تمهيدية لمراحل أخرى لارتكاب الجرائم والتي هي الاتجار بالبشر والمخدرات وحمل السلاح وكل الأوبئة التي تفرزها ظاهرة التسول.
اطراد تزايد نسب التسول
ازداد عدد المتسولين من الأطفال والنسوة بسبب الحرب، وقد استغل بعض محترفي التسول مآسي المهجرين وتسولوا باسمهم على أنهم مهجرون، وفي ظل الغلاء باتت مهنة التسول تدر ربحاً وفيراً لهم في ظل عدم التدخل لمعالجة الوضع وبتره من الجذر.
مدير مكتب مكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل علي الحسين يؤكد في تصريح لـ”تشرين” أنه تم التعامل مع 250 حالة تسول في دمشق وريفها خلال الأشهر الماضية، مشيراً إلى اطراد تزايد نسب التسول مع تزايد الصعوبات المعيشية.
وعن آلية تعامل الوزارة مع هذه الحالات، أوضح الحسين أن مكتب مكافحة التسول والتشرد يقوم بمتابعة أوضاعهم بالتنسيق مع أقسام الشرطة، فيتم إعداد الضبوط اللازمة مرفقة بها إحالة المحامي العام وتحويلهم إلى إحدى الجمعيات المختصة بفاقدي الرعاية (جمعية حقوق الطفل ـ جمعية دفء) بعد التنسيق معهم وبشكل عاجل.
آلية جديدة للحد من التسول
في المقابل كانت قد كشفت محافظة دمشق عن تطبيق آلية جديدة للحد من ظاهرة المتسولين والمشردين في شوارع مدينة دمشق، حيث ستقوم قيادة الشرطة في دمشق بتخصيص أرقام ثلاثية ساخنة للإبلاغ عن أي حالة تسول أو تشرد وأماكن تواجدها من قبل المواطنين.
وبعد ورود البلاغ تقوم غرفة عمليات الشرطة بإعلام الدوريات والتوجه للمنطقة وضبط الحالة وإيداعها في أقرب قسم للشرطة، كما تقوم غرفة العمليات بإعلام مكتب مكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كل يوم صباحاً.
إضافة لتزويد الوزارة بعدد الحالات المضبوطة وأقسام الموقوفين لديها، ليتوجه مكتب مكافحة التسول مع الآلية المخصصة لجمع الحالات ومتابعة الإجراءات القانونية ذات الصلة كالعرض على المحامي العام، وذلك حسب الحالة والفئة العمرية والجنس، لتحويله إلى دوُر الرعاية والتأهيل التي تديرها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أو الجمعيات الأهلية المُعتمدة من قبل الوزارة.