مثقلات بالتعب.. ومنسيات
حمص- هالة الحلو:
ليس غريباً أو جديداً رؤية نساء يفترشن الأرصفة كي يبعن ما تحتويه بسطاتهن من منتجات وسلع، فقد دأبت الريفيات منذ زمن بعيد على ارتياد أسواق حمص لبيع بعض غلال أراضيهن ومزارعهن من خضار وألبان وأجبان وغيرها.
كما أن سنوات الحرب على سورية، دفعت بالكثيرات من نساء حمص إلى الحضور في مهن كانت حكراً تقريباً على الرجال، ومنها بسطات بيع الملابس والإكسسوارات وغيرها.
لكن تلك السيدة الحمصية التي ركنت إلى مكان ما في أحد أحياء حمص، ولم تبرحه منذ سنوات، لابدّ أن تسترعي اهتمامك بهدوئها ودأبها على العمل، وبميلها للصمت، وبالنظافة الواضحة التي تتعامل بها مع هذا الركن، ومع الخضار التي تنظفها وتقطعها وإلخ.. كي تبيعها فيما بعد جاهزة لبعض السيدات المدللات.
اختارت ركنها أو زاويتها تحت شجرة وارفة الظل، وبعيداً عن المحلات الموجودة في الشارع نفسه، ربما تقيها هذه الشجرة بعضاً من قيظ، لكنها أبداً لن ترد مطراً وبرداً لا يحتملان.
هذا الهدوء وشبه العزلة اللذان أحاطت نفسها بهما، قد يجعلانك لا تلحظها بورشتها الصغيرة النظيفة الحاضرة في كل الفصول بقيظها وبردها، وعلى الأكثر لن تأبه بمكانها ولا بها، فهي من هؤلاء المنسيات والمنسيين الكثر رغم أن ثقل أحمالهم قد يختزل وجودنا بأكمله.
في المرات العديدة والكثيرة التي قد تمر بالقرب منها لن تسمع صوتها، إلّا عندما توصيها إحداهن عبر الهاتف على طلبية ما، وماعدا ذلك فهي فقط تعمل وتعمل.
وفيما لو سألتها عن ظروفها وحياتها.. ستخبرك ولكن باقتضاب.. فقد توفي زوجها ومن ثم ابنها، وهي الآن تعيل أحفادها اليتامى.. تساعدها زوجة ابنها الراحل، لا تقول أكثر ولا تسترسل أكثر في الحديث عن أحزانها الواضحة، في نظرتها التي تأخذك بعيداً إلى زمن مضى كان أكثر هدوءاً وأقل قلقاً وتعباً ومواجع، لاتأبه كثيراً فيما لو أظهرت بعضاً من المديح لكل ما تفعله وتتحمله، ولا تقبل أن تكون موضعاً لالتقاط الصور لها، ولا حتى لورشتها المنزلية المتنقلة، وما عليك إلاّ احترام رأيها وخصوصيتها، لكن لن يضير أبداً التقاط صورة لورشتها أو لجزء منها فقط.
في ذلك اليوم غير البعيد والذي حمل في سويعاته إنذاراً بانهمار شديد للأمطار، كانت لا تزال على كرسيها تعمل بنفس الصمت، ولكن بإيقاع أسرع، ولما استعر غضب الطبيعة لملمت أشياءها بأنامل عضها البرد والجهد، وغادرت تقودها خطواتها المتعبة إلى القادم من الأيام علّ وعسى يبدد ضوءٌ ما قتامةَ حاضر هؤلاء المنسيين.