الغضب والعصبيّة الزائدة.. دليل قوة الشخصية أم مؤشر على الضغوط المحيطة؟ 

تشرين- نور حمادة:

العصبيّة هي أمر طبيعي واستجابة غريزية للتهديدات من حولنا، وهي من الظواهر السائدة في مجتمعنا، وسمة تنطبق على تصرفات أغلب البشر لأسباب عديدة، فمن منّا لا يغضب، ويشعر بأنه في لحظة قد فقد السيطرة على أعصابه، ولم يعد يدرك ما يفعله نتيجة رد فعل فطري لإبعاد أي أذى قد يلحق به، علماً أن معظم الأبحاث الطبية أجمعت على أن العصبيّة تجعل الإنسان عرضة لكثير من الأمراض النفسية والعضويّة، وأن جهازه المناعي يصبح ضعيفاً، بسبب توتره المستمر ومن أخطر تلك الأمراض النوبات القلبية المفاجئة والجلطات الدماغية.

وأظهرت دراسة جديدة أن العصبيّة الزائدة في سن المراهقة والشباب تزيد من احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم.

عوامل وراثيّة

إن نوبات الغضب التي تجتاح البعض ترجع إلى جيناتهم الوراثية، والتي تسببت في انتقال هذا الاضطراب من الآباء إلى الأبناء، وليس بسبب الإهمال في تربيتهم، والبيئة المحيطة التي يسودها السلوك الانفعالي، والإيذاء اللفظي والانتهاك الجسدي الذي يؤدي التعرض لهذا النوع من العنف في سن مبكرة إلى زيادة احتمال ظهور الصفات نفسها عند الوصول إلى سن النضج، وبهذا برر زيد (36 عاماً) السبب وراء انفعاليته الزائدة ويعدّها من أسوأ العادات التي تتغلب على طباعه، وتولّد العديد من المشاكل الصحية والاجتماعية لديه ويتابع: الغضب تصرف خارج عن إرادتي، وهو صفة اكتسبتها عن والدي الذي كان صارماً معي ومع إخوتي، وكان عقابه شديداً وصوته يشكّل نوعاً من الرهبة بداخلنا، لذلك سياسة العنف التي يتبعها بعض الآباء مع أولادهم تشكل عندهم عقدة نفسية في المستقبل، تؤثر في علاقتهم مع الآخرين ويجب أخذهم بصدر رحب واستيعابهم بعيداً عن الصراخ والانفعال.

ضغوطات الحياة

إن ضغوطات الحياة هي من التجارب الشائعة التي يمر بها جميع الأشخاص بغض النظر عن أعمارهم أو طبيعة عملهم، وإن إيقاع الحياة المتسارع يضعنا دوماً تحت عجلة هذه الضغوطات ومتاعبها التي لا تعد ولا تحصى، والأحداث الحياتية التي تلاحقنا بهمومها ومشاكلها قد تجعلنا غير قادرين على التحكم بانفعالاتنا عند تعاملنا مع نماذج البشر المختلفة مسببة بذلك الكثير من التصادم والمشاجرات. و برأي أمل مصري أن سبب عصبيتها الزائدة هي الضغوط المحيطة بها وتتابع: أعمل في شركة خاصة وساعات العمل الطويلة تشكل عبئاً كبيراً وضغوطاً نفسية، إضافة إلى مسؤولية المنزل والأولاد ومتابعتهم، ما يوّلد نوعاً من الضغط الداخلي يصل حد الانفجار، فظروف الحياة وأعباؤها تضطرنا مجبرين للانفعال.

قوتي في عصبيتي

الإنسان العصبي يُعرف بمجرد النظر إلى ملامحه، ومن دون الحاجة للحديث معه فهو شخص لا يحتمل النقاش، وسريع الانفعال حتى على صغائر الأمور، وكشفت دراسة أن أغلب النساء تفضل الرجل العصبي على الرجل هادئ الطباع، لأنه يسهل التعامل معه و يشبه الصفحة البيضاء، وبغضبه يفصح عمّا بداخله من متناقضات ويقدم لهنّ مفاتيح شخصيته، هكذا وصفت بثينة (40 عاماً) زوجها قائلة: زوجي يغضب ويصبح كالقنبلة الموقوتة لأسباب قد تكون تافهة، معتقداً أنه يفرض هيبته وقوته، وأنا أعطيه فرصة ليفرّغ الشحنات لديه، وأستوعب تصرفاته بالرغم من كونها خاطئة، لأن الأمور لا تحل بالتوتر والصوت العالي وإنما تحتاج إلى قليل من الحكمة.

رأي علم النفس

أنا عصبي سريع الاستثارة ودائم التوتر هل هناك حلٌّ؟ سؤال يتردد في عيادة الدكتورة منى الحموي اختصاصية نفسية، وبدورها كمعالجة تطرح سؤالاً معاكساً على الشخص الانفعالي: هل هذه الحالة خارجة عن إرادتك؟ أم اتخذت قراراً مسبقاً بأن ردود فعلك ستتسم بالعصبية؟ وقد يكون هذا السؤال مربكاً للبعض، لأنه يضعهم وجهاً لوجه أمام المشكلة حيث إن أغلبية من يعاني من العصبية يعدّها خارجة عن إرادته، وهو ضحيّة لذلك، وهي حالة تعتريه عند أي مشكلة، وتؤدي إلى حدوث ردات فعل على المستويات الفيزيولوجية، مثل زيادة إفراز الأدرينالين، وزيادة ضربات القلب والمستوى النفسي والسلوكي، كالصراخ والضرب فهو موقف مركّب يتلخص بكيفية رد فعل الشخص على التحديات.

وأتوجه للشخص العصبي بأن يقوم بتمرين بسيط، وهو تبادل المواقع بأن يضع نفسه مكان الشخص المقابل بعد موقف ما، ليدرك الآثار السلبية التي يسببها لنفسه وللطرف الآخر، والإساءة الأكبر تكمن في تلك الآثار التي يسببها الشخص العصبي لنفسه، من فقد علاقات وفرص وأمراض وغير ذلك من المشاكل التي تهدد حاضره ومستقبله وتعوق تطوره وفاعليته.

ويبدأ حل المشكلة بالتشخيص الدقيق لأسبابها، ومن المستحسن استشارة مختص للمساعدة في العلاج الذي يتم بتأمين بيئة مستقرة ما أمكن ولا يستخدم إلّا في الحالات التي يكون فيها أثر البيئة ضاغطاً وخارجاً عن الحدود الطبيعية التي يمكن أن يتحملها الفرد، إضافة لعلاج الأسباب العضوية ويبدأ باستشارة الطبيب لإجراء التشخيص وعلاج الأسباب التربوية لأن سلوك الأبناء مقتبس من سلوك الآباء معهم، وعلاج الأسباب النفسية والسلوكية عن طريق برامج علاجية تشكل صمامات أمان أولية للتقليل من حدة العصبية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
خطاب الدجل والاستعراض بحث سبل تعزيز التعاون بين وزارة الصحة والتحالف العالمي للقاحات بنسبة 5%.. تخفيض أسعار الغزول القطنية للمرة الثانية هذا العام الطيران المروحي يشارك في إخماد حريق بين الحصن والحواش بريف حمص الغربي مصادر خاصة: اللقاء بين الرئيسين الأسد وبوتين حمل توافقاً تاماً حيال توصيف المخاطر والتوقعات والاحتمالات المقبلة وزارة الثقافة تمنح جائزة الدولة التقديرية لعام 2024 لكل من الأديبة كوليت خوري والفنان أسعد فضة والكاتب عطية مسوح الإبداع البشري ليس له حدود.. دراسة تكشف أن الإبداع يبدأ في المهد تضافر جهود الوحدات الشرطية في محافظة حماة يسهم في تأمين وسائط النقل للطلاب وإيصالهم إلى مراكز امتحاناتهم الرئيس الأسد يجري زيارة عمل إلى روسيا ويلتقي الرئيس بوتين بايدن - هاريس - ترامب على صف انتخابي واحد دعماً للكيان الإسرائيلي.. نتنياهو «يُعاين» وضعه أميركياً.. الحرب على غزة مستمرة و«عودة الرهائن» مازالت ضمن الوقت المستقطع