بين السّباق والتنازع.. أولويات إحلال بدائل محليّة للمستوردات على طاولة جدل جديد.. وزارة الاقتصاد تعلن إستراتيجيتها.. وخبراء يدلون بدلوهم

تشرين-بارعة جمعة:

دعواتٌ للنهوض بالاقتصاد المحلي ودفع عجلة الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي، عناوينٌ عريضة ترجمتها العديد من القرارات والمشاريع، التي كان أبرزها برنامج إحلال المستوردات، الذي صُوِّبَ باتجاه دفع المستثمرين لإنتاج مواد محلية، كنوع من الاستغناء عن استيرادها ضمن تكاليف عالية، تقدر بقيمة القطع الأجنبي، وبالتالي تأمينها محلياً ومن ثم تصدير الفائض منها، واليوم تستوقفنا العديد من الأسئلة التي باتت محطَّ جدلٍ واستثارت عقول الخبراء والمعنيِّين في الشأن الاقتصادي، حول الأولويات التي صُنِّفت بالأكثر أهمية في هذا القطاع، ولاسيَّما أننا بتنا الأحوج لتحقيق الاكتفاء بمنتجات محلية، تُغني الأسواق وترفد الخزينة بالقطع الأجنبي بدلاً من استنزافه بالاستيراد.

شهدا: بالنظر إلى ما وصلت إليه ظروف الاقتصاد من تراجعٍ حادٍّ في ميادين العمل والاستثمار كافة.. لابدَّ من تحديد الأولويات والاتجاهات الأكثر جدوى بالنسبة لإحلال بدائل المستوردات

دعم حركة التصدير

إلّا أنه وقبل الحديث عن الأولويات لابدَّ من الوقوف والنظر بعين الواقع لتوفير القطع الأجنبي اللازم لهذه العملية، التي تعدّ اليوم الأكثر حاجة للدراسة بدقةٍ وعمق برأي الخبير المصرفي عامر شهدا، لارتباط هذا الفعل بضرورة توفير قنوات لرفع موارد القطع الأجنبي الخاصة بالمصرف المركزي، لكون الحديث ضمن هذا السياق، ومن دون الالتفات لهذه النقطة سيكون ضرباً من الخيال برأيه.

وفي العودة لمسألة شُحِّ الموارد التي باتت تتصدر ملفات العمل والتصريحات الحكومية، لابُدَّ من تأكيد ضرورة العودة لتنشيط حركة التصدير، الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الإنتاج الزراعي برأي شهدا، لقيامه على مواد محلية لا مستوردة، ولضآلة المصاريف المرهونة له مقارنة بالإنتاج الصناعي، وما يمكن الوصول إليه بهذه الخطة هو فتح الأسواق الخارجية للمنتج المحلي.

دراسة الأولويات

ولأن ما وصلت إليه ظروف الاقتصاد من تراجعٍ حادٍّ في ميادين العمل والاستثمار كافة، لابدّ من تحديد الأولويات والاتجاهات الأكثر جدوى، فيما لو قررنا العمل برأي شهدا، متسائلاً.. أيهما أكثر أولوية تمويل معمل لتجفيف الذرة أم معمل لتركيب السيارات؟

ولأن الهدف الأول والأخير من التوجه لقطاع إحلال المستوردات هو الاستغناء عن مستوردات المادة أو القطعة التي يتم استيرادها، لابدّ من التوجه والتركيز على معامل الزراعة وإنشاء مشاريع استثمارية فيها برأيه، فالهدف اليوم التصنيع قبل الصناعة التي ستنتج المادة نفسها.

فضلية: تتصدر قائمة الأولويات كلَّ مستلزمات السلع الغذائية والدوائية والسلع المنتجة لمستلزمات ومدخلات وأدوات الإنتاج الزراعي والصناعي والتحويلي.. بما في ذلك الأعلاف والأسمدة والأدوية والمبيدات الحشرية

وإذا ما عدنا للبحث في شريحة المشاريع الاستثمارية والصناعية القائمة في سورية، سنجد تراجعاً خطيراً في مجال التكنولوجيا، والذي تفتقر له المدن الصناعية، التي اختصرت العمل به ضمن معمل واحد في المنطقة الصناعية بعدرا -حسب تقديرات شهدا، فيما بقيت الصناعات الأخرى مُغيَّبة عن الخطة الصناعية والاستثمارية، لذا من الضروري الإشارة إلى أن موضوع إحلال المستوردات ضخم جداً ويرتبط بمجالات عدَّة كالمصارف والنقود والمصانع ونوعية الاستثمار، كما يحتاج إستراتيجية كاملة، ولا يكفي اتخاذ القرار به، بل يجب دراسة انعكاساته السلبية والإيجابية على البطالة والنمو والموارد والضريبة والطاقة.

ضرورات مُلحَّة

كما أن ترتيب العمل وفق إستراتيجية إحلال المستوردات حسب الأولوية، عدا عن معيار الأهمية المطلقة لطبيعة المنتج، يفرض شروطه وفق معايير محددة حسب توصيف الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة دمشق الدكتور “عابد فضلية” للأولويات، التي تتصدر قائمتها برأيه كل مستلزمات السلع الغذائية والدوائية والسلع المنتجة لمستلزمات ومدخلات وأدوات الإنتاج الزراعي والصناعي والتحويلي، بما في ذلك الأعلاف والأسمدة والأدوية والمبيدات الحشرية، يضاف إلى ذلك معدات توليد الكهرباء والطاقة المنزلية والبطاريات، ومستلزمات آليات النقل والشحن وضخ المياه، والمواد الكيماوية والأعشاب الطبية والعطرية، وللمخرجات ذات الخصوصية والميزات التنافسية المطلقة والنسبية النوعية.

وفي سبيل القيام بهذه الأنشطة، يُفترض حساب الجدوى الاقتصادية منها برأي “فضلية”، والتي بدورها ستحقق أهداف الأمن الغذائي والمالي والطاقوي، وأن تسهم في توفير مبالغ كبيرة من القطع الأجنبي ومزيد من فرص العمل، وأن تتوفر لها الخبرة اللازمة واليد العاملة الكفؤة، وإمكانية التنافسية في الأسواق الخارجية من الناحية النوعية والأمنية في توفير القطع، وأن تشكل القيمة المضافة نسباً عالية من إجمالي قيمها السوقية، بحيث لاتقل عن 40%.

هدف إستراتيجي

وفي معرض حديثه عن أهمية قيام مثل هذه الأنشطة، أثنى الدكتور فضلية على فكرة إقامة الأنشطة المتعلقة بالمخرجات التكنولوجية، والتي من الواجب السعي إليها في حدود توفر المعارف والخبرات والكفاءات البشرية المحلية اللازمة والضرورية لإقامتها وإنجاح عملها تجنباً للمعاناة من ذيول التبعية الخارجية.

أحمد: تركيز المعايير على الوزن النسبي للمواد في قائمة المستوردات ومدى امتلاكها مقومات النمو والتطور مع تأكيد ضرورة تمتعها عند البدء بإنتاجها بالجودة ومطابقتها للمواصفات العالمية ما يعزز قدرتها على النفاذ إلى الأسواق الخارجية

ولتوضيح ما قدمه الخبير المصرفي عامر شهدا بضرورة التوجه للتصنيع وليس إلى الصناعة، نوه الدكتور عابد فضلية بأن المقصود في كل الأحوال هو الحصول على المنتجات البديلة للمستوردات، سواءً أكانت تصنيعاً تحويلياً أم زراعةً أم استخراجاً، فالقيام بالعملية يعد من الأهداف الإستراتيجية العليا في أي دولة، والتي يستدعي تحقيقها وبعد التأكد من جدواها القيام بما يلزم وما هو ضروري لوجستياً لتوفير البيئة التشريعية والبرامج والخطط الداعمة لها، والتي تشمل تسهيلات ومزايا تمويلية وإنتاجية وتسويقية وجمركية وضريبية، بالتوازي مع عقلنة وترشيد استيراد المنتجات المشابهة والبديلة، الأمر الذي يتطلب- برأي فضلية- دراسات وإحصاءات ومعلومات دقيقة ومتكاملة لسد متطلبات السوق المحلية.

معايير حكومية

كما تستوجب مسألة إحلال المستوردات دراسة عمليَّة من الجهة القائمة على العمل بها والمتمثلة بوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وبالتعاون مع الجهات المعنية، وذلك من خلال اعتمادها عدة معايير لتشميل المواد أو القطاعات ضمن هذا البرنامج حسب تصريح معاون وزير الاقتصاد “رانيا أحمد”، التي أكدت تركيز هذه المعايير على الوزن النسبي للمواد في قائمة المستوردات، ومدى امتلاكها مقومات النمو والتطور، مع تأكيد ضرورة تمتعها عند البدء بإنتاجها بالجودة ومطابقتها للمواصفات العالمية، ما يعزز من قدرتها على النفاذ إلى الأسواق الخارجية، يلي ذلك حسب تصريح “أحمد” لـ”تشرين” دراسة واقع ومشكلات كل قطاع وكل مادة ومناقشة المقترحات وتصميم السياسات لحمايتها، وتحديد أدوار الأطراف المشاركة التي ستقوم بما يلزم، لوضع البرنامج موضع التنفيذ.

في حين تصدرت قائمة أولويات إحلال المستوردات لدى التجارة الخارجية كلاً من مستلزمات الأدوية النوعية والاستيرادية والمتممات الغذائية والصيدلانية، وفقاً لاشتراطات وزارة الصحة، ووفقاً للمعلومات المقدمة من معاون وزير الاقتصاد “رانيا أحمد”، تختلف المزايا الحكومية المقدمة لكل مادة أو قطاع مستهدف ضمن البرنامج، إلّا أنها تشمل بشكل عام تخفيض الرسوم الجمركية على بعض مدخلات الإنتاج، وإجراءات حمائية من منافسة البضائع والسلع المستوردة المماثلة، وتسهيل الحصول على كافة الاحتياجات اللازمة للعمل، مع الإشارة إلى إمكانية تشميل بعض القطاعات بحوافز التصدير مسبقاً، إضافة إلى تخفيض أعباء وتكاليف الحصول على التمويل، من خلال برنامج دعم أسعار الفائدة الذي يتكامل مع برنامج إحلال بدائل المستوردات.

برامج تحفيزية

ولأن تخفيف فاتورة الاستيراد للسلع هو الغاية الأساسية ضمن خطة عمل البرنامج، كانت الصناعات التي تشكل حوامل للنمو والتي تحمل قيمة مضافة مرتفعة هي وجهة وزارة الاقتصاد، حسب تأكيدات مدير مديرية السياسات الاقتصادية في الوزارة “غالية عبيد”، مع مراعاة الميزة النسبية للاقتصاد السوري، كما استندت منهجية السياسة الاقتصادية للوزارة على دعم العمل والإنتاج وتحسين المناخ الاستثماري، ضمن برامج تحفيزية، وإيلاء الاهتمام بشكل رئيس لاقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلومات ضمن قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021م، بمنح تخفيض ضريبي بنسبة 50% من ضريبة الدخل لمدة 10 سنوات للمشاريع ذات المحتوى التقني المرتفع.

وعند الوقوف عند آلية عمل الوزارة ضمن خطة التصنيع، أكدت “عبيد” في تصريحها لـ”تشرين” أن العمل يتم بالتوازي مع تحفيز بناء صناعات محلية تملك مقومات الاستمرارية والتنافسية، إضافة لتحفيز إعادة إقلاع المنشآت المتضررة والمتوقفة عن العمل، وبالتالي العمليات التصنيعية داخلها.

وأمام كل ما يعوق أو يسهّل حركة البناء والإعمار لاقتصادنا المحلي، يبقى السؤال: هل بات تحقيق سياسة الاكتفاء الذاتي أمراً صعباً جداً؟ وإلى متى ستبقى مسألة توفير القطع الأجنبي العائق الأول في وجه أي عملية إنقاذ لواقعنا الاقتصادي المنهك؟

نختم بهذا التساؤل وكلنا إدراك لحقيقة أن إحلال بدائل محلية للمستوردات هو في حدّ ذاته حلّ لمشكلة القطع الأجنبي.. لكن تبقى الأولويات مطرح جدل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار