إخفاق الغرب يتعمّق
يتجه الغرب إلى أطوار جديدة من التصعيد في العلاقة المتوترة أساساً مع روسيا، ويبدو من سلسلة الإجراءات المتلاحقة المتخذة ضد موسكو أن الاتجاه الغربي يميل نحو التدمير؛ تدمير كل شيء، سواء ذاتياً بقصد أو بغير قصد، وسواء تدمير الصديق وما يرى فيه «العدو» في آنٍ معاً، ففشل الأساليب العسكرية تدفع بضرورة الحال إلى أساليب اقتصادية، أياً ما كانت النتيجة التي هي مُرّة في كل الأحوال، فلا يمكن التراجع ولا يمكن التقدم أيضاً بما هو مرادٌ تحقيقه.
وفي سياق التضادّ الغربي – الروسي المستعر، أعلنت المفوضية الأوروبية عن حزمة تاسعة من العقوبات ضد روسيا تطول القطاع المالي ووسائل الإعلام، سيبحثها وزراء خارجية دول الاتحاد في الـ12 من الشهر الجاري، وتشمل العقوبات الجديدة 180 مؤسسة ومصرفاً، ووسائل إعلام وشركات تكنولوجيا روسية.
بالتزامن، دخل قرار الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع وأستراليا حظر استيراد النفط الروسي المنقول بحراً بأكثر من 60 دولاراً للبرميل حيز التنفيذ اليوم، فيما العالم بانتظار آثار هذه الخطوة المُراد منها محاولة الحد من إيرادات موسكو من صادرات النفط، لكن في الحقيقة هي خطوة ستقلب الطاولة على الجميع، وهي لن تؤثر فحسب في أسعار الطاقة العالمية، بل ستحدث خللاً كبيراً في العلاقات بين الدول ولاسيما محور الحلفاء ضد موسكو ومن تآمر على تحديد سقف لأسعار النفط الروسي.
الرد الروسي على الخطوات الأوروبية، جاء على لسان الرئيس فلاديمير بوتين الذي أكد أن بلاده روسيا لن تزود أي دولة بمنتجاتها إن تعارض ذلك مع مصالحها الوطنية، في حين شدد نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، على أن موسكو لن تصدّر النفط إلى أي دولة تفرض سقفاً لسعر النفط الروسي.
وبالعودة إلى الخلل الآنف الذكر، والذي يمكن معرفته سريعاً، في قول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقابلة تلفزيونية أمس الأحد: إن المستهلكين في دول الاتحاد الأوروبي يضطرون لدفع أسعار عالية لموارد الطاقة المستوردة من الولايات المتحدة، مُشدداً على أن ذلك، يؤثر سلباً في العلاقات بين الجانبين، ويضر بالقدرة التنافسية للدول الأوروبية، لافتاً في الوقت ذاته إلى وجود خلل في الوضع السائد اليوم بين الولايات المتحدة وأوروبا، والسبب يكمن في الطاقة.
فرض سقف لسعر النفط الروسي يحمل دلائل على الإخفاق التاريخي الوشيك لواشنطن وأوروبا بأسرها، ففي الوقت الراهن لم يتبقَ في سوق الطاقة العالمية أي نفط حر، ما يهدد بارتفاع أسعار الطاقة بشكل أكبر مما هو عليه الآن، وهو يمثل فشلاً تاريخياً للولايات المتحدة وأوروبا، بينما من الممكن أن يكون سقف السعر البالغ 60 دولاراً للبرميل مفيد لروسيا، لكون تكلفة إنتاج النفط الروسي تتراوح ما بين 20 – 40 دولاراً، وفقاً لصحيفة «ذا هيل» الأمريكية، في حين شككت اليابان من فعالية تحديد سقف لأسعار النفط الروسي.
وفي خضم هذه التطورات، على ما يبدو أن الخاسر الأكبر في المعركة هو أوكرانيا التي اتخذها الغرب «طعماً» منذ البداية، وجرّها للاحتراق على مرأى من ناظريه، إذ أكد المدير التنفيذي للمجموعة الاستشارية A-95 سيرغي كويون، أن أوكرانيا ستواجه نقصاً إضافياً في المحروقات، وزيادة مضافة في تكلفتها بعد تحديد دول العقوبات سقف أسعار النفط الروسي، لافتاً في الوقت عينه إلى المشكلات التي تشهدها إمدادات وإنتاج مشتقات النفط في بلغاريا واليونان وإيطاليا بولندا ورومانيا وتركيا، حيث يتم استبدال النفط الروسي بنفط ذي ميزات أخرى، ومعظمها يكون من النفط الأخف.