«سارة تيسدال» تغني للغابة وتحمل الحبّ مشكاة في العتمة

تشرين- راوية زاهر:
(أغنية الغابة).. قصائد شعرية مختارة بقلم المترجمة بشرى إبراهيم للشاعرة الأمريكية سارة تيسدال.. والصّادرة عن دار دالمون الجديدة في دمشق.. وللشاعرة مجموعات شعرية وأعمال مميزة، تستمد مادتها من الطبيعة التي تعشق.
(أغنية الغابة)،عنوان هذه القصائد المختارة، مأخوذ كحالة تقليدية من أحد عناوين القصائد التي حفلت بها وريقات الكتاب.
فالعنوان يوحي بالفرح، هذا الفرح الذي لم يحمله المجتمع والبشر للشاعرة وإنما حملته ترانيم الطّير، وحفيف الشّجر، وذلك العري في هيئة الشجر الذي وظفته بشكلٍ مختلف عن غيرها..
فالشجر العاري يترك لها فسحة لرؤية السماء مرصعة بنجوم الوجود.. وقد أطبق الكتاب دفتيه على سبعة وسبعين نصاً، ما خلا نص من مناجاة الطبيعة.. واللافت فيها كان ذلك الموت الذي يفتح ثغره في كل القصائد، وكأن الشاعرة عقدت معه هدنة، تاركة له فوضى الانسلال بين الجمل والعبارات والصور، حتى تكاد تظنها على موعد عشقي معه.
في تلك اللعبة مع الموت الحاضر والمؤجل، ومقارنته مع حبّ كذلك يوارى الثرى: فقالت:
“أتيتُ لأدفن الحبّ تحت شجرةٍ
في الغابة الشاهقة المعتمة
حيث لا يمكن لأحدٍ أن يرى،
لن أضع زهوراً عند رأسه،
ولا حجراً عند قدميه؛
فالثغر الذي أحببته حباً جمّاً
كان شهياً ومؤلماً..
لن أزور قبره لأن الغابة باردة
سأجمع الكثير من الفرح
سأمضي في النهارات تحت الشمس
حيث تهبّ الريح الواسعة
لكني سأبكي ليلاً حين لن يعلم بي أحد”.
وقد انعكس المرض على وقع أشعار الكاتبة، فبثت الشجر والطبيعة وجعها وحزنها، وآخت الطبيعة في صور حية باذخة الوقع فقالت:
“كنتَ الريح وأنا البحرُ
أنا الغيمة في أعلى السموات
أنا طفلة الريح القاسية
لكن لماذا لا تنفكّ تناديني أشجار الصنوبر
على قمة الجبل: اهدئي.. استريحي”.
فالمرض والزواج الفاشل تركا آثارهما السلبية في نفسية الشاعرة، فتلون الموت عندها، لنراه رمادياً حيناً، وفضيّاً أحايين أخرى، غير أن الرومانسية المتبعة كشعور وكمنهج جعلتها ترى في الأرض حياة أخرى وجعلتها تبحث عن معايير السعادة؛
“هي التي كانت عذبة كالمطر
وأصبحت مرة كالبحر..”
هي من بحثت عن قنديل في عتمة الغابات ينير درب الظلمة السحيق.. هي من غنّت للغابة والمطر والحب والسحب، وقالت في نص (أمزجة):
“أنا المطر الهادئ أهمي
منهكة لأغني عن الفرح
فكن الحقول الخضراء التي تناديني
كن لأجلي التراب!
أنا الدوري الملهوف
ليغادر عشه ويطير
فكن الغيم الصافي المشرق
كن لأجلي السماء”.
جاءت لغة النصوص شاعرية رومانسية بحتة، سيطر معجم الطبيعة بسرّه العلوي الباسق من غيم ومطر وسماء وشجر.. وكحالة للاضطراب النفسي والخلل في الانسجام مع الحبيب أو حتى سطوة المرض التي تركت كل هذا الهبوط النفسي لنجد أنفسنا في صراعٍ حاد بين العلو بمفرداته السالفة، والعالم الأرضي الهابط متمثلاً بالقبور والعتمة والأرواح العارية.
فالموجات بنات البحر، وقطرات المطر، أطفال المطر.. وهي وليدة الغابة والظلال وأشجار اللاريس، والقبقب الحمراء والكمثرى، صاحبة الفصول، وسيدة ليالي حزيران وثلج نيسان.. هي الراحلة لا محالة فلا مهرب عندها من الموت ولقلبها أحلام بحجم الموت.. بسيطة اللفظ وواضحة التعبير عن رؤيتها للجمال والموت والألم، رومانسية متقدة العاطفة:
“ما الذي ينبغي أن أخشاه في الحياة والموت
أنا التي عرفت ثلاثة أشياء:
القبلة في الليل،
تحليق الفرح الأبيض حين تولد أغنية،
وغناء قبرّات المرج في الضوء الفضي”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار