شيءٌ ما قد تغير.. الأمم المتحدة تدعو الكيان الإسرائيلي إلى تدمير أسلحته النووية

تشرين- ميشيل كلاغاصي:
مؤخراً وفي نهاية تشرين الأول، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو سلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب إلى تدمير ترسانتها النووية بالكامل, والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة منشآتها النووية، وقد صوتت 152 دولة لصالح القرار، وعارضته 4 دول هي كندا، ميكرونيزيا، بالاو، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى سلطة الكيان، وامتنعت 24 دولة أخرى عن التصويت، بما فيها أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وقبل الخوض في التفاصيل، نسأل عمن يعرف ميكرونيزيا أو بالاو، ومن لا يعرف أن الرئيس والحاكم الرسمي لكندا هو ملك بريطانيا «العظمى»، وبأن معارضة هذه الدول للقرار لا تعدو أكثر من سلوك العبيد تجاه أسيادهم، ويبدو من المهم ملاحظة عدد الدول التي صوتت بمسؤولية لصالح القرار، من خلال إدراكها الخطر الكبير الذي تشكله سلطة الكيان الغاصب بأسلحتها النووية والسرية، بالإضافة لتربع «الحمقى» على سدة قرارها- حسب توصيف سماحة السيد حسن نصر الله.
وتنص وثيقة القرار على أن «إسرائيل» هي الوحيدة في منطقة غرب آسيا، وواحدة من القلائل في الأمم المتحدة، التي لم توقع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ويعكس التأييد الكبير للقرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حقيقة مخاوف تلك الدول من كون الكيان الإسرائيلي يشكل تهديداً نووياً خصوصاً في عموم منطقة غرب آسيا، بالإضافة إلى سلوكياتها ووحشيتها، الواضحة والمعروفة في العدوان المباشر على فلسطين المحتلة، أغلبية دول الجوار الفلسطيني، وبشكلٍ غير مباشر على عديد الدول بما فيها تلك التي تبعد عنها آلاف الأميال، ما يجعل منها مصدراً استثنائياً لعدم الاستقرار انطلاقاً من الشرق الأوسط الذي يقع في قلب العالم.
وجدد القرار تأكيد انضمام «إسرائيل» إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع جميع منشآتها النووية لضمانات شاملة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كإجراء مهم «لبناء الثقة وكخطوة نحو تعزيز السلام والأمن، والإلتزام بالمعاهدة، من دون المزيد من التأخير، وعدم تطوير أو إنتاج أو اختبار أو الحصول على أسلحة نووية بطريقة أخرى، والتخلي عن حيازة الأسلحة النووية».
كم يبدو عليه الأمر من وقاحة ونفاق، عندما استهدف العدو الإسرائيلي في أيلول عام 2007، بعض المنشآت في سورية تحت ذريعة أنها بنى تحتية لمواقع نووية، ومزاعم امتلاكها برنامجاً سرياً لإنتاج «قنبلةٍ نووية» بحسب الإدعاءات الكاذبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، وعدم وجود أي جهةٍ استطاعت تأكيد ومساندة كيان العدو بهذا الادعاء المزيف.
ناهيك بالبروباغاندا والهستيريا الغربية- الإسرائيلية الشرسة، التي تستهدف ومنذ عقود، البرنامج الإيراني النووي السلمي، الذي أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية سلميته مراراً وتكراراً في تقاريرها عبر السنوات، ولا تزال حتى اليوم تسعى إلى عرقلة العودة إلى اتفاق «خطة العمل الشاملة المشتركة», على الرغم من حاجة الغرب والولايات المتحدة إليه، وتبني أكاذيبها على أساس اقتراب إيران من الذريعة نفسها، ألا وهي «تصنيع القنبلة النووية».
لا نقدم جديداً إذ تحدثنا عن امتلاك الكيان الإسرائيلي، أسلحة الدمار الشامل، وإنفاقه مبالغ ضخمة على الاحتياجات العسكرية التقليدية، واستمراره بتهديد السلام والأمن في المنطقة وخارجها، من خلال ترسانته الكبيرة من الأسلحة المتطورة، وحسب التقارير الإعلامية التي تتحدث عن المساعدات الخارجية، تبدو سلطات الكيان الغاصب أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، وبما يفوق ما تتلقاه أوكرانيا حالياً من واشنطن وبروكسل و«ناتو»، وبشكل مباشر من عدة دول أوروبية، وتركيا، و«إسرائيل».
لا يقتصر الحديث على التهديد الإسرائيلي نتيجة امتلاكه الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى فقط، بل يتعداه إلى الكيفية التي يتخلص عبرها من نفاياته النووية والمشعة في أراضي الضفة الغربية المحتلة، وعلى مدى السنوات الأخيرة، نشرت الصحف الفلسطينية والعربية العديد من التقارير التي تتحدث عن القلق البالغ والمتزايد، نتيجة ارتفاع معدلات إصابة فلسطينيّ الضفة الغربية، بمختلف أنواع الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية، بعدما حولت السلطات الإسرائيلية البلدات والقرى الفلسطينية إلى مكباتٍ لنفاياتها النووية والمشعة، وقيام رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية عام 2021 باتهام العدو الإسرائيلي بإلقاء نفايات نووية خطرة، كالنفط المحروق، والنفايات الكيميائية والإلكترونية، وغيرها في الأراضي الفلسطينية، وأكد بالإضافة إلى تضرر عناصر البيئة الفلسطينية، إصابة 6251 مريضاً بالسرطان، مؤكداً حقيقة استخدام سلطات العدو الأراضي المحتلة كمكب للنفايات النووية.

وتجدر الإشارة إلى ما تتحدث به وسائل الإعلام، وحسب الخبراء، فإن «إسرائيل» تمتلك عدداً لا يستهان به من الرؤوس النووية، وقد رفضت مراراً تفتيش منشآتها النووية العسكرية، ناهيك برفضها التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، ومع ذلك تحظى برعايةٍ وحمايةٍ أمريكية، تضمن من خلالها استمرار عربدتها وقفزها على القوانين الدولية.
من الواضح أن شيئاً ما قد تغير في السياسات الدولية لأغلبية دول العالم، بعدما خاضت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، ومرحلة التفرد الأمريكي بالهيمنة على العالم، الأمر الذي دفع أغلبية الدول للسير في الفلك الأمريكي، وأقله وراء السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ومع ما يحصل اليوم في أوكرانيا، وانكشاف حقيقة الوجه الأمريكي- الصهيوني، والهزائم المتتالية لمشروعه الخبيث في روسيا وسورية وإيران وكوريا الشمالية والصين وفنزويلا وأغلبية دول «حديقتها الخلفية» كالبرازيل وعديد الدول اللاتينية، يفسر عدد الكبير الدول التي صوتت لصالح قرار الجمعية العمومية ضد سلطات الكيان الغاصب، والذي يشكل في حقيقته تصويتاً ضد الولايات المتحدة.
وبات واضحاً ميل تلك الدول العمل وفق مصالحها الوطنية، والابتعاد أكثر فأكثر عن إملاءات الولايات المتحدة وهيمنتها وتهديداتها، فالمشروع الدولي المتعدد الأقطاب بدأ يهز ركائز النظام الأحادي، وقد أعلن عن أهدافه صراحةً، بكسر الهيمنة الأمريكية، وبتصحيح مسار الأمم المتحدة، لتعود حسبما أنيط بها من مهام وواجبات وأدوار استدعت نشوءها وتأسيسها، وبشكلٍ رئيس الحفاظ على السلم والأمن والاستقرار الدوليين، وضرورة امتثال الدول الأعضاء بكافة مواثيق وقواعد وقوانين الأمم المتحدة.
على الرغم من صعوبة الرهان في الوقت الحالي، على نقل نتائج التصويت غير الملزمة، من الجمعية العمومية إلى مجلس الأمن، إلّا أنه يمكن الرهان على الشرخ الكبير داخل المجتمع الأمريكي، وكذلك داخل مجتمع الاستيطان الإسرائيلي المؤقت، بالإضافة إلى سقوط الروايتين الأمريكية والإسرائيلية حول العالم، اللتين تعدّان من أهم الأساسات التي قامت عليها الإمبراطورية الأمريكية والدولة المزعومة للكيان الإسرائيلي الغاصب، ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على إقناع أحد بـ«الديمقراطية والقيم الأمريكية» المزيفتين، كذلك لم يعد الكيان الغاصب قادراً على تجييش العالم ضد «الرهاب الفلسطيني»، وبات واضحاً أن العلم الفلسطيني يُرفع على كامل مساحة العالم، وفي كل المحافل والمناسبات الدولية، ناهيك بمشاركة الملايين حول العالم، ومن كافة الدول والجنسيات، في التظاهرات المنددة بالاحتلال والممارسات الإسرائيلية الوحشية بحق الفلسطينيين والأراضي العربية المحتلة، وبالقفز الإسرائيلي على القوانين الدولية، ومحاولات الإفلات الدائم من العقاب.
وبات الإصرار على إنهاء عصر الهيمنة الصهيو- أمريكية، والقطبية الأحادية، مطلباً جدياً لأغلبية دول العالم، وتُخاض لأجله الصراعات والحروب في عدة ساحات، وعلى رأسها الصراع الدائر في أوكرانيا، والذي تقوده روسيا الاتحادية، بدعمٍ كلي من الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وإيران وسورية وفنزويلا وعشرات الدول حول العالم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار