من قمة دمشق 2008 إلى قمة الجزائر 2022.. لماذا يخافون «لمّ الشمل»؟

تشرين- مها سلطان:

..  أو ربما يكون الأصح أن يُطرح ذلك السؤال بصيغة أخرى: لماذا لا يريدون لمّ الشمل؟

الجواب معروف للأغلبية كما هو معروف مَنْ المقصود، بل إن هذا المقصود يُعلن ويُجاهر.

حتى اللحظة الأخيرة ستبقى محاولات «تفريق الشمل» تحاصر القمة العربية التي تستضيفها الجزائر اليوم وغداً.. هذه المحاولات ستكون الحاضر الأول والأكبر خلال اجتماعات القمة، ونقصد هنا الاجتماعات البعيدة عن أعين الإعلام، اجتماعات الكواليس والغرف المغلقة حيث «المواجهات» الحقيقية وحيث تنتهي الأمور إلى ما لا يَسُر وما لا تحْمد عقباه.. على الأقل هذا ما اعتدناه طوال العقد الماضي حتى بات انعقاد القمة العربية عبئاً ثقيلاً على أي دولة لما تتعرض له من تهديدات وضغوط وعمليات ابتزاز ومساومة على سيادتها وأمنها، لكن الجزائر تصدّت لهذه المهمة واختارت أن تحمل العبء الثقيل وأن ترفع شعارين«هدفين» له: فلسطين، ولمّ الشمل.. في رسالة واضحة جداً لكل من يعنيه الأمر بأن هذه الأمة ما زال فيها من يؤمن بفلسطين والعروبة والوحدة العربية وأن استعادة هذه الوحدة ليست مستحيلة.. وأن هناك من يعمل في سبيل ذلك.

لذلك، كنا نجد أن مكان انعقاد القمة، أي الجزائر، يطغى على القمة نفسها، وكانت تحركات الجزائر، طوال الأشهر الماضية في سبيل لمّ الشمل، محور تحركات مضادة لإفشال هذا المسعى، وكثيرون رأوا أن الجزائر سجلت أول محطة فشل لها في سورية، فكيف يمكن لمّ الشمل من دون سورية وهي عموده الفقري.. وتالياً كيف يمكن تحقيق اختراقات إذا فشل لمّ الشمل، حيث كل الملفات والقضايا المطروحة على طاولة القمة مرتبطة حُكماً به.

بالعموم.. لا أحد، حتى من المغالين بالتفاؤل، يتوقع أن تحقق قمة الجزائر اختراقاً مؤثراً، أو أن تحقق إجماعاً حيال قضية عربية واحدة، أو أن تقدم مبادرة جامعة جادة لحل الأزمات العربية التي تتسع وتتعمق وتتشابك.. هذا ليس تشاؤماً مسبقاً، والفشل حُكماً ليس مردوداً على الجزائر التي تستضيف قمة للأمة انحدر حال دولها والعلاقات بين بعضها بعضاً إلى مستوى لم يكن يحلم به العدو نفسه حتى إنه لم يعد يحتاج إلى التآمر أو تجنيد من يتواطأ ويتآمر.. ومن يقتل ويدمّر ويخرب.

بعد عقد من «ربيعنا» المشؤوم، وقبله عقد من التواطؤ العربي، استحالت كل بقعة جغرافية على امتداد الأمة إلى بقعة ملغمة متفجرة بوجه الأخرى، وبات الخارج لزوماً لازماً، كبر دوره واتسع حتى طغى، وبات له شأن وكلمة وقرار في كل قضية ومسألة، لتسقط الأمة في فخ التكتلات والحسابات الضيقة وصولاً – من بعض دولها – إلى الاستقواء بالعدو نفسه على بعضها الآخر.

في كل قمة عربية عقدت بعد اندلاع ما يسمى «الربيع العربي» أواخر عام 2010 حتى قمة الجزائر اليوم، كانت «قمة دمشق» حاضرة، ونعني هنا القمة العربية التي استضافتها سورية عام 2008، حتى ذلك العام كان العراق وغزوه وتدمير عام 2003 واحتلاله أميركياً، الحدث الحاضر في كل قمة عربية، حتى إنه طغى على القضية الفلسطينية نفسها.. حينها كان الاعتقاد السائد بأنه بعد العراق لن يكون هناك من كارثة عربية أكبر، وأن العرب، جميع العرب، يُفترض أنهم تعلموا الدرس جيداً باتجاه الوقوف إلى جانب العراق والحيلولة دون وقوع كارثة أخرى مماثلة.

لكن كارثة العراق كانت مقدمة فقط، بل كانت الأقل كارثية، مقارنة بما حمله «الربيع العربي» الذي عمم الكوارث والدمار على كامل الجغرافيا والديموغرافيا العربية.

لنعد إلى قمة دمشق 2008 ولماذا تحضُر في كل قمة عربية؟

في قمة دمشق، حضر القادة العرب ما قبل «الربيع العربي»، وحضر العراق ومعه قضية إعدام رئيسه صدام حسين على يد المحتل الأميركي، رغم أن الإعدام كان قد مضى عليه عامان «10 كانون الأول 2006».. كان هناك من تنبأ بالربيع العربي، فكل ما كانت تمر به الساحة العربية كان يقود إلى أن غزو العراق وتدميره وتحويله إلى «دولة فاشلة»، هو مقدمة لكوارث تبدأ ولن تنتهي إلّا بتحول الأمة بمجملها إلى دول فاشلة وضمان ألّا تقوم لها قائمة.. كل دولة عربية «سيلحقها الدور»، هذا ما قاله الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في قمة دمشق، الذي اغتيل بدوره على يد المحتل الغربي الذي تم استدعاؤه لغزو ليبيا وتدميرها وتحويلها إلى دولة فاشلة كما العراق.

في كل قمة عربية يستحضرون خطاب القذافي أمام قمة دمشق 2008.. حينها قال: بعد ما جرى في العراق وبعد ما كان من إعدام رئيسه صدام حسين «لا شيء يجمعنا أبداً إلّا هذه القاعة».. «كانت أميركا صديقة لصدام حسين، أنتم أصدقاء أميركا، نحن أصدقاء أميركا كلنا.. قد يأتي الدور عليكم كلكم.. وقد توافق أميركا على شنقنا يوماً ما.. واحداً بعد آخر». في إشارة إلى إعدام صدام حسين شنقاً.

طبعاً لم يكن المقصود بـ«أصدقاء أميركا» كل الدول العربية.. صحيح أن القذافي لم يذكر أسماء بعينها، لكن أصدقاء أميركا معروفون. وبعد عامين كانت ليبيا هي التالية.. وتوالت الكوارث.

في القمة العربية التي تبدأ في الجزائر اليوم الثلاثاء باتوا يتندرون حتى على الشيء الوحيد الذي كان يجمع العرب، أي القاعة، حسب القذافي.. حتى هذه القاعة لم تعد تجمعهم، صحيح أنها كانت تجمعهم ولو على ضغائن وعداوات ولكنها في النهاية كانت تجمعهم، وكانت فرصة بالحد الأدنى ليجتمعوا ويتواجهوا وإن خرجوا بعدها على غضب وتناحر وتباعد.. اليوم لا يريدون الاجتماع.. ولا التواجه.. ولا حتى المعاتبة واستيضاح المواقف والأحداث، أغلبهم بات يختار التباعد.. وفي سنوات ما يسمى «الربيع العربي» اختاروا التباعد على تآمر وخيانات و«غرف عمليات» عسكرية وإر*ها*بية لإسقاط هذه الدولة أو تلك،  ليكملوا بذلك ما بدأته أميركا في العراق.

مع ذلك لا يمكن نكران أن من يخافون «لمّ الشمل» أو لا يريدونه، حققوا مكاسب وامتيازات من وراء الكوارث العربية المتتالية بدءاً من العراق وهم كانوا أول المتآمرين عليه.. تسيدوا الساحة أمراً ونهياً.. ولنتذكر هنا كيف كانت الجزائر هدفاً لهم في سنوات «الربيع الأولى»، ولكن ارتدّوا عنها مُجبرين باتجاه دول عربية أخرى.. وعلى قاعدة أن الجزائر يمكن وضعها في الانتظار حتى يحين الوقت المناسب، وبعد أن تكتمل أجندات الربيع العربي في دول أخرى.

الآن.. كيف يمكن للجزائر أن تعقد قمة عربية ناجحة في هذه الأجواء المسمومة؟ كيف يمكن لها أن تحقق اختراقات أو معجزات وفق تعبير المراقبين والمحللين إذا كانت نسبة الرافضين لـ«لمّ الشمل»، أو لنقل المتضررين منه، أكبر من نسبة الداعين والداعمين والمستفيدين منه؟ هنا لا يمكن احتساب الدول العربية التي تحولت فاشلة ومضطربة مع سنوات «الربيع العربي» في أي من الجانبين، باعتبار أن قمة اليوم «كما سابقاتها خلال عقد مضى» تبحث أزماتها وكيفية مساعدتها، أي إنها تحضر القمة كمستمع وليس كمُقرِر.. وعلى قاعدة «حكم القوي على الضعيف».

هذا ونحن لم نتحدث بعد عن قمم عربية مصغرة، وأخرى إقليمية، وعن تكتلات واتفاقات وتحالفات ومصالح خارجية.. كلها باتت بديلة عن القمم العربية الجامعة «حتى باتت مسألة انعقادها أمراً يخضع للجدل والمجادلة وحتى الرفض».. أكثر من ذلك باتت مسألة فشل ونجاح القمم العربية مرهونة بمن يحضرها ومن يغيب عنها، ولأن الجزائر بخطها العروبي القومي ودبلوماسيتها الجامعة ورفعها شعار «لمّ الشمل العربي» فإن قمتها كانت مستهدفة وكانت محاولات إفشالها تسابق الزمن حتى على مستوى إحباط انعقادها.. وعليه كانت خريطة الغياب والحضور متوقعة، وكانت الجزائر في صورة المهمة الصعبة جداً، إن لم نقل المستحيلة، ومع ذلك اختارت أن تتصدى للمهمة مستندة إلى إرثها النضالي المقاوم وإلى محطات تاريخية فاصلة استضافت فيها القمة العربية «في عام 1973 بعد حرب تشرين التحريرية، وفي عام 1988 عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، وفي عام 2005 بعد سلسلة أحداث عصفت بالساحة العربية منها اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وغزو العراق».

هذا وغيره كثير، لطالما أعطى الجزائر مكانة خاصة وأكسبها مصداقية.. ربما من هنا يأتي بعض التفاؤل.. وما علينا سوى الانتظار على أمل أن نرى ترجمة له في مخرجات قمة اليوم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
سورية تشارك في اجتماعات الدورة الـ 28 للجمعية العمومية للمنظمة العربية للطيران المدني في الرباط المنجد يبحث مع فارغاس يوسا علاقات التعاون في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك السفير علي أحمد: «لجنة التحقيق المعنية بسورية» منفصلة عن الواقع.. ومزاعم الحرص على حقوق الإنسان لا يمكن أن تتسق مع استمرار الاستغلال الفاضح لقضايا نبيلة لتهديد مصائر شعوب بأكملها قانون إعلام جديد يلبي طموحات الإعلاميين في سورية... وزير الإعلام يعلن من اللاذقية أفقاً رحباً للشراكات البناءة السفير آلا: تعزيز الدعم الدولي لبرامج التعافي المبكر وإعادة الإعمار في سورية لتأمين عودة النازحين الخامنئي يدعو إلى المشاركة الواسعة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية الصين تجدد مطالبة الولايات المتحدة بوقف نهب موارد سورية وإنهاء وجودها العسكري فيها «ناتو» والعناوين المستترة في قمته المقبلة.. ظل ترامب يُخيم.. غزة ولبنان يتقدمان.. وأوكرانيا حاضر غائب الصحة العالمية: تأثير سلبي يشمل فرص التعليم والعمل..العزلة الاجتماعية تزيد خطر الوفاة 32% "التجارة الداخلية" تشكّل  لجنة لإعادة دراسة تكاليف المواد والسلع الأساسية على أرض الواقع