أهلاً بك يا أبانا

الأب: حسن سليمان الطبرة

في إحدى زياراتي لأحدى الأسر القاطنة في حي الدويلعة الشعبي بدمشق، والذي أقطنه منذ العام 1976، لفت نظري صوت طفلة ترحّب بي متحدّثة باللغة العربية الفصحى الخالية تقريبا ًمن الأخطاء النحوية واللغوية وهي تردّد مرحباً بك ياأبانا.. رددت عليها الترحاب بالشكر العميق وتابعت معها الحديث بالفصحى وأنا مشدوه بالتعابير والجمل التي تستعملها بكل بساطة وطلاقة، سائلاً عن اسمها، فقالت: اسمي تقلا معتز شحود، نجحت إلى الصف الثالث الابتدائي، والدتي هبة عبد الملك، سمّاني أهلي على اسم جدّتي التي أزورها الآن، والتي تقطن عمّتي «مايا» معها، وأنا شغوفة بمحبة جدّتي وعمّتي اللتين تهيئان أجواء الفرح والمحبة لي ولأخي أنور الذي يكبرني بسنة، حيث نجح بتفوق إلى الصف الرابع، ولأختنا الصغيرة البالغ عمرها سنة ونصف السنة.
تابعتُ حديثي بالفصحى مع الطفلة تقلاً: كيف تمضون أوقاتكم في الصف؟ فأجابت: أهم شيء أننا نلعب يومياً مع أخي ورفقائنا ورفيقاتنا، نلعب بالكرة في الشارع، وذلك لعدم وجود الملاعب في حيّنا الشعبي، كما نمارس نشاطات تربوية ورياضية وفنية أثناء العطلة.
مَنْ تحبين في حياتك؟.. – أحب كل الناس، لكني أحبّ أمي وأبي وأختي وأخي وجدّتي وجدّي وعمّاتي وخالاتي كثيراً، أما عمّتي مايا فأنا أحبّها كثيراً كثيراً، فهي مدللتي الدائمة.
كيف تعلمتِ الفصحى؟.. – تعلّمتها في المدرسة، إذ إن آنستنا السيدة «هلا حنا» لا تتحدّث إلّا بالفصحى.
هل تتحّدثون الفصحى في البيت؟.. – نعم، في بعض الأوقات، وتقوم والدتي بتصويب أخطائي معيدة الجمل باللغة الفصحى السليمة طالبةً منّي إعادة نطق الجملة.
ما هي طموحاتك؟.. – أطمح أن أصبح طبيبة عيون لأعالج مرضى العيون.
شكراً تقلا.. – أنا بدوري أشكر اهتمامك بي، وأشكرك جداً على هذا اللقاء والاهتمام بي.
أعادني اللقاء بالطفلة الموهوبة «تقلا معتز الشحود» -من مدينة حماة والدتها هبة عبد الملك- إلى طفولتي وسني دراستي الابدائية، حيث كان معلّمنا -طيّب الله ثراه- مهتماً جداً بمادتيّ اللغة العربية وبخاصة الإعراب، والحساب، إذ لا يترك لنا كلمة صعبة إلّا ويطلب منّا إعرابها، إذ أذكر درس الديانة «وصايا الله العشر» التي أنزلها على كليمه النبي موسى على لوحين من حجر كيف طلب منّا ذلك المعلّم أن نعربها، وكنا حينها في الصف الرابع الابتدائي.. كما أذكر أنه أعطانا في السنة نفسها «واو المعية و فاء السببية» اللتين تنصبان الفعل المضارع، وأذكر أني في دراستي الجامعية لم أتلقَّ في دروسي النحوية دراسة هذين الحرفين.. وزملائي حالياً منهم المهندس ومنهم المدرّس ومنهم المعلّم يتحدثون العربية الفصحى بطلاقة مستندين إلى دراسة المرحلة الابتدائية.
من هنا، أقترح على وزارة التربية أن تعيّن معلّمين قديرين أكفاء للمرحلة الابتدائية، وخاصة لصفوف الرابع والخامس والسادس، بذلك تضمن الوزارة سلامة تعليم اللغة العربية لأبنائها وتوفير الكثير من الجهود والأموال، وبذلك نكون قد ضمنّا سلامة نطق وقراءة العربية لتلاميذنا وطلابنا ومثقفينا.. وأذكر جيداً أن المتعلمين القُدامى شبه مستحيل عندهم أن يخطئوا في القراءة أو الكتابة على عكس المتعلمين الجدد، ومنهم المذيعون، ويؤلمني أن أسمع متعلماً أنهى الدراسة الثانوية والجامعية يرفع الاسم الواقع بعد حرف الجرّ.
هنيئاً لمعتز وهبة بابنتهما تقلا التي تتحدّث العربية الفصحى جيداً، واستمطر الرحمات على ذلك المعلم الذي لقننا العربية وقواعدها في الصفوف الرابع والخامس والسادس الابتدائي، ولنجعل من أولئك قدوة لمعلمينا ومثقفينا، ولكل الناطقين بإحدى جميلات اللغات في العالم، وحاضنة ثقافتنا وتراثنا وتاريخنا، ولا ننسى أن جامعة دمشق علّمت طلّاب الطبّ بالعربية، فكانوا الأطباء الأكفاء الذين يتقنون لغة آبائهم وأجدادهم بطلاقة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار