(فانوس في الظل).. سرد روائي في رحلة البحث عن الحب والأسرة واكتشاف الذات
تشرين- حنان علي:
ما انفكّ الاغتراب عن كونه تجربة عميقة تُلامس القضايا الإنسانية الأساسية، وتعكس صراعات الهوية والانتماء، الوحدة، والحنين إلى الوطن. ففي خضم الصراعات اليومية، يحاول المغتربون التكيف مع ثقافات جديدة، بينما يواجهون في الوقت نفسه آثار الفقدان والانفصال عن عائلاتهم وأوطانهم..
فانوس في الظل
وأما الرواية فما لبثت سبيل الكاتب والقارئ على حد سواء، للتعبير عن هذا الصراع بوصفها الأداة الفنية الأبرز التي تسهم بإثراء الأدب العالمي، وتفتح أبواباً لفهم أعمق للتحديات التي تواجه الأفراد في عالم معقد ومتغير.
الافتقاد للمسة الوطن خلف الواجهات اللامعة للمدن الحديثة، الحنين لمسقط الرأس والانغماس بالأساطير، يدفع ب( يعقوب) لخوض حرب حقيقية، معركة تخصّ الهوية والانتماء، واستكشاف الجذور في عالمٍ مضطرب، ذلك ضمن العمل الأدبي المشوق للكاتب نادر يعقوب ” فانوس في الظل” الذي يحكي عن شاب يسافر عبر العالم بحثاً عن درب العودة إلى الوطن في سبيل كشف ماضي أسرته وجمع فروع شجرة العائلة، تاركاً وراءه حياته الفنية المريحة في مدينة نيويورك لاستكشاف الشرق الأوسط الذي سرعان ما تصدمه ثقافته المتمايزة، لكن الشاب الفنان لا يلبث أن يطور ذوقه بالتوافق مع الموسيقى والفن والثقافة العربية، مختبراً آلام وأفراح العيش في الخارج وكشف العلاقات التي تربط الماضي بالحاضر.
نور الحكاية
الماضي الذي مثلته حكاية والدته (نور)، الابنة المسؤولة عن عائلتها المغتربة في أمريكا والتي تواجه مهمة مستحيلة تتمثل في التوفيق بين أسرار والدها المخبأة والصحة العقلية المتدهورة لوالدتها. مكافحة لمنع أحلامها من الاندثار جنباً إلى جنب مع إبقاء أفراد أسرتها معاً. وبعد سنوات، يقوم ابنها بالرحلة إلى شبه الجزيرة العربية لأقرب مكانٍ إلى موطن عائلته – متلهفًا لكشف تفاصيل مفقودة عن حياة والدته وحياته الخاصة، وسرعان ما يصبح طريق يعقوب نحو اكتشاف الذات محفوفاً بالمخاطر والعجائب، فهل سينجح ويحقق طموحه بإلقاء الضوء على أعمق أسرار عائلته.. أم إنه سيفشل، ويمسي روحاً ضائعة تستهلكها رمال الصحراء العربية.
رواية خيالية
” فانوس في الظل” رواية خيالية تاريخية ملحمية ترتكز أحداثها على مزيج متنوع من الثقافات العربية والأمريكية عبر نثر درامي مؤثر، تروي قصة عائلة مغتربة تبحث عن الحقيقة والمجد – ذلك عبر تقديم منظور فريد يبشر بالتاريخ الغني والحيوي للمنطقة العربية، كاشفاً عن التحديات التي تواجهها بعض المجتمعات في الحياة اليومية.
العمق السردي لرواية (فانوس في الظل) جذاب وواضح وجميل، وسرعان ما يتلمس القارئ أن الأشياء لم تتغير كثيراً بغض النظر عن مكان الإقامة حول العالم. فوجهات النظر والشخصيات الرئيسية حاضرة عاطفياً وواعية عالمياً بالأحداث الجارية في جميع أنحاء الشرق الأوسط والولايات المتحدة، والتي قدمها الكاتب ضمن تفاصيل مدروسة جيدًا، محاولاً إيجاد توازن متناغم بين الأسرة والغموض والرومانسية والثقافة والتاريخ، مع دمج قضايا العدالة الاجتماعية بسلاسة. ومتيحاً للقارئ الهروب إلى عالم من الشخصيات المذهلة والبيئات المقنعة، مع التعاطف العميق مع ماهية الفروقات.
رواية “فانوس في الظل” رواية ممتعة، تجمع بين الفكاهة والتاريخ والدراما، متنقلة بالقارئ من الماضي إلى الحاضر، من الراحة العميقة والألفة إلى المخاطر. إنها قصة مؤثرة عن حب خالدٍ بين الأم وابنها، وكيف يمكن للحب والتفاهم أن يتغلبا على العقبات، إنها حكاية تراث عائلي آسرة تمتد لأجيال.
يعقوب نادر كاتب قصص خيالية من أصول عربية، مقيم في بروكلين. وهو أيضاً فنان تشكيلي حاصل على ماجستير في النحت التصويري، أول كتبه “فانوس في الظل” كتبه في غضون أسابيع قليلة أثناء إقامته في المنطقة العربية – القصة ظلت عالقة في ذهنه لسنوات عديدة قبل نشرها عام 2020.