شهداؤنا عن قرب
مهما تحدثنا عن الشهداء والتقينا بذويهم ليخبرونا عن مشاعرهم في يوم عيدهم لا يمكننا أن نرد لهم جزءاً من التضحيات التي قدموها في سبيل منعة الوطن وتطهير أرضه الطاهرة من الإرهابيين والأعداء.
وفي يوم الشهداء لا يمكنني إلا أن أستذكر تجربتي مع عدد من الشهداء الذين عشت معهم وعرفتهم عن قرب أثناء خدمة الوطن التي بدأتها في كانون الثاني من العام ٢٠١٦ حيث التقيت بشباب أنهوا دراساتهم العليا أو خريجي كليات الهندسة جاؤوا من مختلف بقاع الوطن ، وهناك تلقينا التدريبات وعشنا تجربة رائعة تعرفنا فيها على بعضنا بعضاً واندمجت أرواحنا لتحقيق هدف واحد هو الدفاع عن الوطن وحمايته من العدوان الدولي الذي استهدف الحجر والبشر.وبعد أيام قليلة من تخرجنا وفرزنا إلى تشكيلات الجيش العربي السوري جاءنا النبأ الأول باستشهاد الملازم علي أحمد في ريف حلب في حزيران ٢٠١٦.
علي كان مثالاً للنخوة والشهامة والعطاء والنشاط والإقدام ، ويومها تذكرت أحاديثه عن شوقه لرؤية طفلته الأولى التي سيراها بعد عدة أشهر وعن أخيه الشهيد الذي سبقه قبل عامين.
وتوالت أخبار استشهاد عدد من أبناء دورتنا وإصابة آخرين ليصلنا في نيسان ٢٠١٧ خبر استشهاد الملازم أول شرف المهندس محمد سليمان الذي كان مثالاً للأخلاق والشاب المتعلم ، أدخل على حياتنا أثناء الدورة البهجة في أصعب الظروف وحقق المراتب المتقدمة في مختلف أنواع التدريبات التي خضعنا لها .
وعند توجهنا إلى حلب مع بدء معركة تحريرها في حزيران ٢٠١٦ التقينا بأبطال حفروا في ذاكرتنا معاني التضحية والشهامة ومنهم الشاب العشريني محمد ابن محافظة حلب الذي تعرض لعدة إصابات سابقة ورغم ذلك كان مثالاً للإقدام عند حصول اي طارئ ، كان وزنه لا يزيد كثيراً عن ٧٠ كغ ورغم ذلك كان رامياً ماهراً على المدفع الرشاش عيار ١٤.٥ يتعامل معه بكل خفة رغم إصاباته ينقله بين الطلّاقيات لوحده للتعامل مع الإرهابيين كلما اقتضى الأمر ذلك ، وفي ليلة السابع من رمضان وبعد الإفطار حصل طارئ في منطقة معامل الليرمون فهبّ محمد كعادته إلى رشاشه في الطوابق العليا، وبعد صعوده دخل إلينا أحد المقاتلين سائلاً عن محمد لينقل له خبر صدور أمر تسريحه بسبب إصاباته، فانطلق بديله بكري ليبشره بالخبر وبعد دقائق عاد إلينا بكري حاملاً محمد شهيداً بعد تعرضه للقنص على أيدي الإرهابيين.
وبعد تحرير حلب انتقلنا إلى الغوطة الشرقية في مدينة حرستا تحديداً و حيث كان الإرهابيون قد تمرسوا في حفر الأنفاق وإرسال المفخخات والغدر والقنص على كل شيء يتحرك أو مفيد ولم يميزوا بين عسكري أو مدني وبين دبابة أو محولة كهرباء، إلا أن أبطال الجيش العربي السوري كانوا لهم بالمرصاد دائماً وقدموا كل معاني الوفاء والتضحية في تصديهم لهم، وفي يوم الجمعة ٢٩ كانون الأول ٢٠١٧ فجر الإرهابيون “تركس مفخخ” في إحدى نقاط الجيش وخرجوا من تحت الأرض كالجرذان مهاجمين النقاط الأخرى فاستبسل أبطال الجيش في صدهم واستشهد وجرح الكثيرون في ذلك اليوم ومنهم محمد ابن منطقة القلمون, الذي كان قد عاد من إجازته يومها ومقاتل من محافظة إدلب وأبو جعفر شريبا من اللاذقية وآخرون كثر لا تسعفني ذاكرتي بأسمائهم، وجرح آخرون، وبعدها بأسابيع قليلة تم تحرير الغوطة الشرقية بهمة أبطال الجيش ودماء شهدائه وجرحاه، ما شكل منعطفا في تاريخ العدوان على سورية وصعق الأعداء المتآمرين عليها.
هذه لمحة سريعة عن شهداء سورية الأبرار في يوم عيدهم، والذين انضموا إلى من سبقوهم في تسطير ملاحم البطولة منذ استقلال سورية وما تعرضت له من مؤامرات عبر تاريخها بهدف تركيعها والنيل من مواقفها الوطنية والقومية، وأسسوا مدرسة للثبات والصمود تتعلم منها البشرية وأصبحوا نبراساً يضيء درب أبنائنا في صون الوطن والدفاع عنه في وجه الطامعين.
الرحمة لأرواح الشهداء وكل المحبة لأهلهم وذويهم والشفاء لجرحانا والنصر لبلدنا بهمة جيشه وشعبه وقائده.