الفجوة التسويقية والأسعار وعضّ الأصابع الاقتصادية !!.
تعرف الفجوة التسويقية بأنها الفارق بين كمية الطلب والعرض الكلي على السلع والخدمات ،ومع حجم الفجوة تتغير وتتذبذب الأسعار بل منظومة الأسعار وبما يتناسب مع الفجوة التسويقية،وهنا نجد ثلاث حالات أساسية وهي: إذا كان الطلب أكبر من العرض فترتفع الأسعار ،وإذا كان الطلب أقل من العرض فتنخفض الأسعار، وإذا كان الطلب يساوي العرض فعندها يتحقق السعر التوازني وهو الهدف المنشود لكل السياسات الاقتصادية لكل دول العالم ، وبالتالي فإن الأسعار هي ميزان حرارة الأسواق أي ترمومتر المجتمع الاقتصادية ، ومن هنا نتفهم موقف الكثير من الدول الأوروبية من القرارات الروسية الأخيرة المتعلقة بالعرض من السلع وخاصة الأساسية من النفط والغاز والمواد الغذائية ما قد يسبب أزمة غذائية عالمية قادمة بدأنا نتلمس معالمها من خلال الفجوة الغذائية العالمية ولاسيما أن روسيا وأوكرانيا يصدران نسبة /29%/ من الصادرات العالمية من القمح ، كما اتخذت روسيا إجراءات اقتصادية رداً على الإرهاب الاقتصادي ضدها مثل زيادة سعر الفائدة إلى 20% وإلغاء ضريبة القيمة المضافة والتصدير بالروبل الروسي للدول المعادية وربط الروبل بالذهب لتقليل التعامل مع الدولار واليورو ..الخ ، فهل يمهد هذا لظهور نظام نقدي مالي عالمي وسيظهر ( الروبل الذهبي ) بدلاً من ( الدولار الذهبي ) والعودة للتعامل مع نظام نقدي كان سائداً في القرن التاسع عشر هو نظام ( القاعدة الذهبية ) والذي استمر من سنة /1821/ وحتى /1971/ وبالتالي يشهد العالم تحرراً مما يدعى ( دولرة العالم ) المفروض بحكم القوة العسكرية الأمريكية للسيطرة على العالم بالعملة الأمريكية ، ومن المقومات الروسية لترسيخ نظام نقدي عالمي جديد نذكر على سبيل المثال وليس الحصر [ تمتلك روسيا أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي بالعالم وبحوالي /50/ تريليون م3 ، وبلغت صادراتها لسنة /2020 / أكثر من /200/ مليار م3 ، وأغلبها إلى القارة الأوربية ( ألمانيا بحدود (%16) وإيطاليا (%12) وبيلاروسيا ,(%8) وفرنسا (%8) و تركيا (%6) إضافة إلى دول أخرى ، وهذه الكمية يمكن أن تستوردها ( الصين والهند) والدول الحليفة لروسيا وهذه الدول بأمس الحاجة للغاز الروسي مثل ( إندونيسيا وماليزيا وجمهوريات آسيا الوسطى وبلدان جنوب شرق آسيا والدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية وغيرها وهذا يعوض عن العلاقة مع القارةالأوربية ، وفي هذه الحالة ستجد الدول الأوروبية نفسها في أزمة كبيرة مع مواطنيها من خلال الفجوة التسويقية في أسواقنا ، وهذا ينطبق على النفط حيث إن الصين المتحالفة مع روسيا ضد الإملاءات الأمريكية هي أكبر دولة مستوردة ومستهلكة للنفط والغاز في العالم ، بسبب أنها أكبر دولة في العالم من ناحية عدد السكان و تحقق أعلى معدلات النمو في العالم، وتحولت مؤخراً وكأنها ( المعمل الشعبي للعالم ) وهي أكبر شريك تجاري لروسيا ويبلغ حجم التبادل التجاري بينهما سنوياً بحدود /100/ مليار دولار ، وسيزداد التعامل مستقبلاً حيث تستهلك الصين وسطيا بحدود /10/ ملايين برميل نفط يومياً، ومصلحتها الاستيراد من روسيا بسبب قربها الجغرافي ( ديكتاتورية الجغرافيا ) وهذا سيساهم في تخفيض التكلفة الإنتاجية للسلع الصينية ويقوي من موقعها التنافسي على الساحة العالمية وستسجل انتصارات جديدة لها في حربها الاقتصادية مع أمريكا، فماذا لو حولت روسيا صادراتها نحو القارة الآسيوية مثل ( الهند وإندونيسيا وماليزيا وجمهوريات آسيا الوسطى وبلدان جنوب شرق آسيا وإيران) وأيضاً نحو إفريقيا فعندها ستعوض عن صادراتها التي كانت مخصصة لأوروبا ، وعندها ستشهد القارة الأوربية تململاً اجتماعياً كبيراً من جراء ارتفاع الأسعار ، وخاصة أن روسيا تؤمن /60%/ من الاحتياجات الأوروبية، وخاصة بعد أن أعلنت الدول الأساسية المنتجة للغاز أنها عاجزة عن تأمين احتياجات القارة الأوربية من الغاز وخاصة ( الجزائر وقطر والنرويج ) ، ومن جهة أخرى فإن هذه الإجراءات الروسية ستخلق طلباً على الروبل في أسواق الصرف وهذا يعزز مكانة الروبل في الأسواق العالمية ، وكمثال عملي على ذلك فإن ( ألمانيا ) وهي قاطرة الاقتصاد الأوروبي لايمكن أن تشتري الغاز من ( أمريكا أو قطر ) لأنها لا تملك البنية التحتية وخاصة محطات التحويل المناسبة و بناء محطات جديدة سيكلفها الكثير على حساب المواطن الألماني و هو شديد الحساسية أمام ارتفاع الأسعار ، كما تستطيع روسيا توجيه صادراتها نحو الكثير من دول العالم، وسينتصر أخيراً من يصمد ويصبر وهذه الحالة تشبه ( عضّ الأصابع الاقتصادية ) فمن يتحمل أكثر سينتصر، والدلائل تشير إلى أن روسيا هي المنتصرة فهي مكتفية ذاتياً و اقتصادها وإنتاجها متنوعان وحلفاؤها كثر ويعانون من الغطرسة الغربية، فهل بدأ سطوع نجم الروبل الذهبي وأفول الدولار الذهبي ، والأيام القادمة ستحكم على ذلك ؟!.