لروح إلهام..

غريبة هي المشاعر الإنسانية، من قال إنها ثابتة صامدة، ومن قال إنها لا تتجزأ!
ولا تتوقف عند نقطة نهاية من دون استئذان صاحبها، هكذا فجأة بقرار خارج عن السيطرة، وبكل ارتجال لقلب يخون ذاته ويتوقف عن ضخ الحب والحنان، بمفارقة غريبة لا تدري مصدر السيالة العصبية فيها أهو العقل أم القلب أم كلاهما؟
كريم القلب لا يمكن أن تحتله تلك الحالة, وتسيطر عليه تلك السلوكيات غير العقلانية إلا تحت تأثير الضغط، تماماً كما تعرفها علوم الكم والفيزياء، وكي تكون ومن تحب ضحية القوانين العلمية والميتافيزيقية يجب أن تقع أسير اللحظة، الصدمة، اللاشعور.. وخير مثال على الأسر العاطفي هو (الموت) بلا منافس أو منازع..
تختلف كثيراً وتتباين ردات أفعالنا معه، إلا أنها تجتمع تحت بند واحد اللاعقلانية، الجميع بلا استثناء والفارق الوحيد بيننا هو التوقيت وعمر اللحظة الزمنية في الاغتراب.
حتى المؤمنين بساعة القدر والحياة الآخرة والجنة والنار أزعم أنها تسيطر عليهم الأفكار الغريبة عنهم في منطقة اللاوعي للحظات.
لم أكن لأكتب زاويتي اليوم عن الموت الذي أتجاهله في حياتي عن قصد لولا خبر وفاة زميلتنا إلهام، وتداعيات الخبر على أذني وأنا أسمعه مكالمة تلفونية وما ورائيات الخبر على نظري من صور الغائبة وكلمات العزاء، وعيني تتثاقل بفعل البكاء وتغض الطرف عن نعية الوفاة.
نعم، غريبة هي النفس البشرية، وكمية العبث الشعوري واللاشعوري التي من الممكن أن تجعلك تعيش في جسدك معنى الاغتراب.. زميلتي التي كانت تعنيني يومياتها المرضية بصلة حب وواجب الأصدقاء والسؤال الدائم عن حالتها الصحية ومراسلتها من دون كلام وتلفونات وأنا الأعلم بوضعها الصحي، أهرب اليوم من تفاصيل الوداع وأشيح بوجهي عن صور ابتسامتها كجبان يختبئ بفيء أخبار الفعاليات والجمعيات الخيرية في رمضان.. أصابعي أصابها الشلل ولم تكن على قدر المسؤولية والواجب بنسخ النعية وتمريرها على الأصدقاء.. أنا الجبانة وغير القادرة على فعل العطاء أمام الموت.
أفكار كثيرة تختلط في ذهني، صوت المذياع الذي أغلقه أثناء سماع الخبر ومن ثم أكملت طريقي مع فيروز (أنا صار لازم ودعكم) وضوضاء الشارع وشارات المرور والشرطي والمشاة.. جميعهم أكون حاضرة تفاصيلهم وفجأة أجهش بالبكاء, لقد ماتت إلهام.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار