هل يمكن للولايات المتحدة شراء “أمنها المطلق” بـ 813 مليار دولار؟

ارتكزت إستراتيجية الولايات المتحدة لتحصين “الأمن القومي الأميركي” طيلة عقود على مختلف أشكال الهيمنة في العالم، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وبذلت لأجل الأخيرة مئات مليارات الدولارات، حيث وصل حجم الإنفاق العسكري خلال عام 2021 إلى 778 مليار دولار.

صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية أشارت في افتتاحيتها اليوم إلى إن الرئيس الأميركي جو بايدن قدم يوم الإثنين الماضي إلى الكونغرس اقتراح ميزانية للسنة المالية 2023، حيث جذب اقتراح 813.3 مليار دولار في الإنفاق على الدفاع والأمن القومي انتباه الجمهور.
بايدن في خطابه لتقديم الميزانية المقترحة قال: هذا “من بين أكبر الاستثمارات في أمننا القومي في التاريخ”، مضيفاً: “إننا نواجه مرة أخرى منافسة متزايدة من الدول القومية الأخرى -الصين وروسيا- والتي ستتطلب استثمارات لصنع أشياء مثل الفضاء والإنترنت والقدرات المتقدمة الأخرى، بما في ذلك أسلحة أسرع من الصوت”.
وعلّقت الصحيفة الصينية بالقول: إن الناس لا يسعهم إلا أن يتساءلوا، ما الذي يكفي بالضبط لكي تكون الولايات المتحدة “أكثر أمناً؟” ألا يكفي عدم وجود عدو لدود لها في جنوبها وشمالها. ألا يكفيها الاستمتاع بالميزة الجغرافية الطبيعية المتمثلة في التواجد بين محيطين. ألا يكفيها امتلاك أقوى قوة عسكرية في العالم.
مضيفة: ميزانية الدفاع البالغة 813.3 مليار دولار، والتي تمثل حوالي 40 في المئة من الإنفاق العسكري العالمي، هي بالتأكيد ليست كافية كذلك بالنسبة لواشنطن، فالولايات المتحدة على طريق السعي لتحقيق الأمن المطلق، لذلك، لا يوجد “الأكثر أمانًا”، ولكن يوجد “أكثر أمانًا” فقط. في الولايات المتحدة، حيث المجتمع منقسم، تواجه الأحزاب السياسية بعضها البعض، تشترك النخب الحاكمة تقريباً في نفس الموقف تجاه زيادة الإنفاق العسكري.
وتابعت الصحيفة: 813.3 مليار دولار ليست الرقم النهائي، فمن المرجح أن يرفع الكونغرس الرقم مرة أخرى، يبدو أن هناك نوعاً من “الاتجاه” لرفعه، رغم أن الرقم المعتمد أكثر من المطلوب، في السنة الأخيرة من حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ كان يُنظر بالفعل إلى طلب إدارته لميزانية الدفاع البالغة 752.9 مليار دولار على أنه رقم قياسي، لكن الكونغرس أذن بزيادة عليها قدرها 25 مليار دولار، وهبطت في النهاية عند 778 مليار دولار للسنة المالية 2022.
وأوضحت أن أحدث طلب للميزانية هو زيادة بنسبة 4.1 في المئة عن مبلغ السنة المالية 2022، وزيادة بنسبة 9.8 في المئة عن السنة المالية 2021، ويتوقع بعض المحللين أنه عاجلاً أم آجلاً ستتجاوز الميزانية العسكرية الأميركية مبلغ تريليون دولار. مثل هذا المقياس كافٍ لترتيب أفضل 20 دولة في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، كما أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة يمثل نحو 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، ومع ذلك فإن الإنفاق العسكري يمثل ما يقرب من نصف إجمالي الإنفاق العسكري في العالم، وهو عبارة عن مجموع الإنفاق العسكري لأكثر من 100 دولة، ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تشعر “بعدم الأمان”.
ورأت الصحيفة أنه “يجب أن يقال إن الولايات المتحدة مريضة”.
فيما رأت الصحيفة أنه من اللافت أنه على الرغم من أن مايحدث بين روسيا وأوكرانيا أصبح ذريعة للولايات المتحدة لزيادة الإنفاق العسكري، إلا أن واشنطن لا تزال تشير بوضوح إلى الصين، التي تعتبرها “التهديد الإستراتيجي الأكثر تحديًاً بالنسبة لواشنطن، فإن الأزمة الأوكرانية أشبه بحلقة ضمن سلسلة في حين أن الأغنية الرئيسة هي احتواء الصين، أكبر “عدو وهمي” لها.
لقد عملت أميركا بنشاط على بناء آليات أمنية عسكرية مختلفة في العامين الماضيين، من تعزيز تحالف “العيون الخمس” إلى الترويج للحوار الأمني ​​الرباعي، وتجميع دول تحالف “أوكوس” واتفاق أمني ثلاثي، وتشديد التحالفات العسكرية الثنائية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
واعتبرت الصحيفة أن لعب “ورقة الصين” أصبح ذريعة ضرورية للولايات المتحدة لزيادة الإنفاق العسكري وتوسيع قوتها العسكرية، ما دفع السياسيين في واشنطن إلى أن يكونوا متحمسين للتنافس مع بعضهم البعض لمعرفة أي “نظرية تهديد” هي أكثر إثارة للخوف وأي موازنة دفاعية مقترحة هي أكثر “صدمة”.
يكاد لا يجرؤ أحد في الولايات المتحدة على الحديث بصراحة عن التخفيضات الكبيرة في الإنفاق العسكري اليوم، على الرغم من ادعاء الولايات المتحدة بأنها تتمتع بأفضل “ديمقراطية”.
لكن أكاذيب واشنطن ستنهار في النهاية. يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي ستة أضعاف نصيب الفرد في الصين، لكن نصيب الفرد من الإنفاق العسكري يبلغ 31 ضعفاً نصيب الفرد في الصين. أليس من الواضح من هو التهديد والتحدي؟

وتابعت “غلوبال تايمز” بالقول: أصبحت النخب السياسية الأميركية مهووسة برفع الميزانية العسكرية. ما يهتمون به هو مصالحهم السياسية، وليس مصدر رزق الناس. عندما اشتكى المشرّعون الجمهوريون من أن التضخم بنسبة 7.9 في المئة قد أدى إلى تقليص زيادة الميزانية العسكرية، عانى الشعب الأميركي من ضربات متعددة تتراوح من زيادة الإيجارات إلى ارتفاع أسعار الغاز.
عندما استفاد المجمع الصناعي العسكري بشكل كبير من زيادة الميزانية العسكرية، لا يستطيع دافعو الضرائب الأميركيون فعل أي شيء حيال ارتفاع الدين القومي. بل من المفارقات أن الديمقراطيين تخلوا عن حزمة مساعدات الأوبئة لضمان تمرير تشريع إنفاق أوسع.
وخلصت الصحيفة إلى القول: عندما يتم الوصول إلى أقصى حد، فإن ذلك التعاظم يتبعه بالضرورة انخفاض.. يتعين على الولايات المتحدة أن تفهم أنه في عالم اليوم، لا يمكن لأي دولة أن تبني أمنها المطلق على انعدام الأمن المطلق في البلدان الأخرى. إذا لم تتخلص الولايات المتحدة من أسطورة الهيمنة والوهم الأمني، فلن تشعر بما يكفي باكتفائها بغض النظر عن ضخامة ميزانيتها العسكرية، لأن الأشخاص ذوي الفطرة السليمة يفهمون جميعاً أن الهيمنة اللانهائية والأمن المطلق غير موجودين في هذا العالم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار