جدلية الفن والمجتمع.. الدراما الرمضانية تستقطب جمهورها من جديد
عشرة أيام كانت كفيلة لعودة الجمهور إلى الشاشة الصغيرة، التي حملت معها الكثير من التشويق والأمل بمستقبل الدراما السورية، حضور قوي أشبه بالنهوض من تحت الرماد، بث الروح في جسد الدراما المتهالك ليضفي على المشاهد شعوراً بعدم الغربة والبعد عن واقعه المعاش الذي كان حكاية الأعمال لهذه السنة.
ولأن ما نعيشه اليوم هو حصيلة سنوات من الدمار النفسي والاجتماعي الذي خلفته الحرب، انطلق مؤلفو ومخرجو الأعمال من عمق الحقيقة التي تعكس مدى الترهل في العلاقات الاجتماعية، وبروز سلوكيات وأشخاص خارج حدود المعقول تجسدت في مسلسل «كسر عضم» للمخرجة رشا شربتجي، التي استطاعت بحرفيتها الإخراجية والمتقنة من رسم ملامح شخصيات حركت المشاعر وأسرت القلوب، إضافة لاختياراتها المتقنة لأبطال العمل، الذي ترجمه الشارع السوري بالتفاعل المثير للدهشة.
تأثير متبادل
ولأن الدراما مرآة الواقع وتعمل على تقديمه بطرق مختلفة، من الطبيعي أن تؤثر وتتأثر به حسب رأي المخرج طلال لبابيدي، إلا أن المشاهد سابقاً كان شديد التأثر برأيه، لمحدودية خياراته وخضوعه للنمطية والروتين في حياته اليومية، والذي نفتقده في يومنا هذا، حيث لم يعد أحد يمتثل لموعظة أو نصيحة يقدمها أي عمل، كما كان لعنصر التشويق حضور لافت في الأعمال برأي الفنان أحمد حلاق، والذي يثبت تميُّزها من حيث الحبكة الدرامية، والدليل على ذلك التعاطف الكبير من الجمهور مع مشهد “ريان” في “كسر عضم” لدرجة البكاء، والذي يُظهر البعد الإنساني والخط الدرامي المتقن والرؤية الإخراجية المبدعة لدى المخرجة التي استطاعت تغطية ثغرات النص بلعبة الإبهار البصري، التي جعلت من الجمهور على موعد مع حلقات المسلسل في كل مرة، ما يثبت تعافي الدراما السورية.
نهضة فكرية
كما يُعد الاهتمام الكبير من الكاتب بالنص شيئاً أساسياً للنجاح، كما جعل منها منافساً قويَّاً حسب وجهة نظر المخرج بلال حيدر، واصفاً بعض الأعمال بالاستعراضية والتجارية أيضاً، كما أن الهدف من الدراما هو تجميل الواقع وليس العكس، فبعضها تعرض للنقد نتيجة لضعف نصوصها حسب تعبيره، وأشاد حيدر بقدرة الدراما على الخروج من الفوضى التي رافقتها عدة سنوات، في حين مازال ينقصها الكاتب، وبالرغم من ذلك استطاعت اللحاق بركب الدراما المصرية، إلا أن هناك نقطة حساسة ودائماً ما يتم الالتفاف حولها برأي المخرج طلال لبابيدي وهي أن أنه ليس مطلوباً من الدراما محاكاة وجع المواطن، كما أنه بإمكاننا تناول أي قضية سواءً كانت “فنتازيا” أو “اجتماعية” بأسلوب فكاهي غرضه التسلية، وبأن مشكلة الجمهور اليوم لجوئه لمسألة التوثيق لكل ما يراه.
فيما عدّ الفنان باسل فتال أنه من المبكر الحكم على الأعمال، وبأن للتنوع المقدم في المضمون بين الفكاهة والتسلية وقضايا المجتمع والبعد عن مفهوم الحرب، دور في وضع المشاهد أمام خيارات متعددة، لنجد بعضها يحاكي الهموم المعيشية للمواطن مثل «الفرسان الثلاثة». وبالرغم مما يعيشه الفرد من صراعات يومية، يخلق ارتباط مفهوم الخير والشر بالنص الدرامي الدافع الأكبر للتفاعل والتعلق بشخصيات سمتها الخير مثل “ريان” حسب تحليل الفنان أحمد حلاق، فالمشاهد يتوق لرؤية النهاية الجميلة وانتصار الحق على الباطل، ناهيك بحضور الوجوه الشابة بقوة في أعمال السنة، والتي أضفت لمسات إبداعية ومبشرة بما هو قادم.
السباق الرمضاني
كما يمثل توجه الشركات المنتجة باستثناء البعض طبعاً لعرض أعمالها في رمضان لحدوث ما يسمى “سوق عكاظ” حسب توصيف الفنان باسل فتال وهو أمر لم تتعافَ منه الدراما بعد، فبعض الأعمال كان يفضل عرضها بعد رمضان مثل “جوقة عزيزة” على حد تعبيره، مؤكداً بأنه لا تزال المادة تتغلب على الفكرة مبرراً ذلك بتوجه الجميع لجني الأرباح في هذا الموسم.
بينما لا يوجد شيء اسمه “جمهور رمضان”، كما أن لتواجد هذه الأعمال في رمضان لا يحتِّم عليها الالتزام بقيود معينة برأي المخرج طلال لبابيدي، مبيناً استغرابه من الهجوم القوي من الجمهور على “جوقة عزيزة” الذي عدّه لبابيدي كسراً للنمطية المعروفة في البيئة الشامية، بمحاكاة فترة زمنية واقعية بطريقة جديدة، في الوقت الذي تحول فيه مسلسل “باب الحارة” لمسلسل كرتوني يناسب الأطفال أكثر، الذي عدّه لبابيدي أنه مسيء جداً بحق البيئة الشامية.