الحرب في أوكرانيا.. وما يلوح في الأفق.. دمشق تخرج من تحت الرماد
ليس مهمّاً ذلك الذي تقوله وسائل الإعلام المندمجة في مشروع صناعة رأي عام وفق رؤية أطلسية، فحظّ الإعلام العربي من هذا الاحتراق كثير.. بعض وسائل الإعلام العربية تغطّي وقائع الحرب في أوكرانيا بصورة تثير أكثر من سؤال، و يخيل إليك أنّ الحرب تقع على أرضها. اليوم هناك حرب يجب تصنيفها في خانة الحروب الكبرى، وفي مثل هذه الحرب لا بدّ أن نستحضر وظيفة الدّعاية.
لقد بدا الناتو في حالة من الهشاشة، فالحرب في أوكرانيا هي أقسى مما نرى، ويبدو أن الناتو ولأوّل مرّة يمرّن نفسه على تلقّي الضربات من دون التفكير في ردود قد تبدو وخيمة ، فالخراب بات وشيكاً، إن فكر الناتو أن يمضي في سياسة التدخل إلى أبعد مما تتحمّله قواعد الاشتباك التقليدية بين القطبين.
يسألني مهتم بالموقف الأوروبي حيال ما يجري في روسيا، ويسألني عن سبب صمت دولة مثل إيطاليا في هذا النزاع، فذكّرته بالجرح الإيطالي حينما تخلّى عنه الناتو في ذروة الجائحة؛ إيطاليا واحدة من دول أوروبا التي عبّرت بشكل مبكر عن خيبة أمل من الناتو.
هل يا ترى سيعود بوتين من دون حصاد؟ الحرب اندلعت، والطلقة ليست من جنس الفلّين، والناتو يدرك أنّ أوكرانيا تتلقّى تربية جديدة في أكاديمية بوتين السياسية، لن يكون المخرج أقلّ من نظام جديد أوكراني كمؤشر على قيام نظام عالمي يعيد المعنى لتعدد الأقطاب وتوازنها.
أوكرانيا تفصيل صغير في معضلة كبرى تتعلق بالعلاقة شديدة التعقيد بين روسيا و واشنطن، فالرصد المبكر والضربة الاستباقية لأي تهديد يروم تغيير القواعد، يتم بأجهزة رصد فائقة الحساسية، وهو مستوى يتعذر استيعابه من قبل الدّول التي تشكل مجرّد قطيع في السياسة الدولية.
انعكاس هذه الحرب على بؤر النزاع، ولاسيما في الشرق الأوسط، وارد بقوة، ومؤشراته واضحة، إنّ حرب روسيا على مشروع التحجيم بدأ من الشرق الأوسط وانتهى إلى الحدود الروسية. هنا يبدو أن أي تصعيد مع روسيا قد يجعل مساحة الاشتعال أوسع. لعلّ المؤشر الأكبر على انعكاس الحرب على معادلة الصراع في الشرق الأوسط، هو التحول في السياسة الإقليمية لبعض الدول، ولا سيما في مجلس التعاون. هنا تأتي زيارة الرئيس الأسد لـ” أبو ظبي”، ليست فقط مؤشراً على نهاية مشروع تحجيم سورية فحسب، بل إنّ سورية التي تمّ استبعادها من المعادلة طوال عشر سنوات، ستعود رقماً صعباً لا محالة، وطرفاً لاعباً في حلّ عدد من النزاعات في الشرق الأوسط.. إنّنا سنعود إلى القاعدة التقليدية: لا سلام من دون سورية .
ما الذي يمكن أن تقدمه سورية اليوم، بعد سنوات من الاستنزاف والاستهداف لسيادتها؟ إنّ سورية أكبر من أن يكون أفقها هو العودة إلى جامعة الدول العربية كدولة عادية، بل إنّ سورية تستطيع أن تلعب دوراً بارزاً في الحوار القادم، بعد طيّ ملف المفاوضات حول الملف النووي، بين دول مجلس التعاون وبين إيران، لا شكّ في أن قسماً من الحوار الذي احتضنته بغداد فتح أفقاً، لكن فعل الإنهاء والحسم في هذا الملف يحتاج إلى دمشق، ويحتاج الملف الفلسطيني بتعقيده المزمن إلى دمشق، كما يمكن لسورية أن تلعب دوراً مهمّاً في إنهاء حرب اليمن عبر أكثر من مستوى للوساطة. الدبلوماسية السورية قادرة أن تؤمّن جسراً لحلّ كل هذا التوتر الذي ازداد حدّة منذ انشغلت دمشق بمقاومة العدوان، فالناتو الذي ساهم في تخريب سورية هو أضعف بكثير من قبل، وهو في حرب مع الحليف الأكبر لدمشق. حاجة العرب إلى سورية باتت تتنامى أكثر فأكثر، وحاجة جامعة الدول العربية لدمشق أصبحت ناجزة. الواقعية السورية ليست جزافية بل هي مدرسة عتيدة، وهي قادرة أن تناور بما يكفي سياسياً، لشدّ عصب ما تبقّى من ميثاق عربي. لقد اشتعلت المنطقة العربية وبلغ الحريق ذروته، وبات لا بدّ من حركة إطفائية، حيث الوضع لم يعد يُطاق، وهذا ليس من باب المنّة، بل لقد أدركوا أنّ ضغطاً بالغاً على الإقليم قد تنتج عنه تداعيات جيوسياسية تمسّ قلب العالم في أوراسيا، فالراحة البيولوجيا المطلوبة للمنطقة باتت حاجة لخفض التوتر على الحدود الروسية نفسها، حيث إنّ الوقائع اليوم متداخلة، والانسداد الأعظم بلغ ذروته.
تمادى العرب في حروب كيدية، نتيجة اصطفافات ومخططات باءت بالفشل، وتكسرت أمانٍ كثيرة على أسوار دمشق المحروسة، وقد بات ملحّاً أن يطرقوا باب الحلول السياسية الواقعية بشجاعة ورغبة في إحياء مبدأ التضامن العربي على الرغم من جروح غائرة وخراب مريع، ذلك لأنّه ليس ثمة من بديل غير الحوار والجلوس إلى طاولة المفاوضات. المنطقة باتت مؤهّلة لمنعطف جديد، والرهان على خفض التوتر وفتح طريق سيار نحو حلول واقعية.
لا أعتقد أنّ بعض الدول الإقليمية بادرت إلى الحوار من دون ضوء أخضر أمريكي، أي الرهان على إنهاء حالة الانسداد، وهذا يتوقف على نهاية الأزمة السورية، وبأن قرار وقف العدوان على سورية قد حُسم مبدئياً، فلقد بدا أن مزيداً من الحرب على سورية ستكون له عواقب أخطر، لعلّ الحرب في أوكرانيا هي انعكاس غير مباشر ومخرج موضوعي للحرب على سورية ، وأياً كان الأمر، فهذا مؤشر على انتصار المحور الروسي-السوري، انتصاراً لا ريب فيه.
كاتب من المغرب