المُستَقبَلُ.. بِحَجمِ الطُّمُوحِ
كثيرة هي الرؤى والتحليلات التي تصوَّب تجاه وجهة الاقتصاد السوري، وما هي مقومات نموه.. والأهم: هل تتحقق مؤشرات نموه في ظروف وتحديات اقتصادية ضاغطة كهذه، وكيف يتحقق التطور؟ فحركة الاقتصاد خلال فترة الحرب كانت شبه مشلولة، وهذا ليس بجديد، ولكن خلال الفترة القريبة، فالأرقام الناطقة التي تحققت في مختلف القطاعات التنموية، والمشاريع التطويرية- خاصة بعد دخول قانون الاستثمار حيز التطبيق الفعلي- توضح أن الاقتصاد حقق انتعاشاً نوعاً ما ولو بحدوده الضيقة، رغم كل المؤثرات السلبية التي اُتفق على تسميتها “أعوام الانتكاس الاقتصادي”.. ليس الاقتصاد الوطني فقط أصابه الوهن والتراجع، فالاقتصاد العالمي أصيب بانكماش تاريخي لتفشي جائحة كورونا، بفعل الإجراءات الاضطرارية التي اتخذتها الحكومات حول العالم، لحصر الأضرار الصحية لهذه الجائحة, وجرّت كورونا بعدها الغلاء ومؤشرات التضخم الحادة، وما حصل على صعيد أجور النقل والشحن عبر العالم صورة عن معاناة كبرى تواجه الاقتصادات بشتى أصقاع الأرض..
الاقتصاد السوري سجل كغيره من الاقتصادات الأخرى انكماشاً، ولا تزال في بعض قنواته عقبات يلزمها المزيد من المشجعات وفتح مسارب استثمارية جديدة – تُعزَز قدر الإمكان- لكي يستطع الوقوف ويواكب حجم الضغوطات.. إلا أنه تمكّن في 2021 من تحقيق بعض المؤشرات الإيجابية، ما يعزز مسار التعافي الاقتصادي من بعض الصعوبات المحيطة، فضلاً عن أن ذلك يشير إلى نجاعة الإجراءات وإصدار بعض التشريعات الاقتصادية المهمة التي اتخذت لتقليل ما أمكن من الأضرار التي أتت بها الظروف والحصار وحالة الغلاء الفاحشة، وارتفاع فاتورة حركة المستوردات التي زاد حجمها وقيمتها إذا ما قورنت بفترات ماضية..!
اليوم وفي ظل المتغيرات، ما البدائل لتحقيق اقتصاد ليس نوعياً بل بدرجة مقبولة، وما آليات تعامل الحكومة والإدارات صاحبة القرار؟ يلزمنا منهاج عمل مؤطر ومنهجي، ينطلق من الواقع بعد تشخيصه بعناية فائقة، وتجاوز كل القرارات والقوانين التي من شأنها عرقلة أي مسعى تغييري يتوافق مع المستجدات الراهنة التي تتطلب المرونة والسرعة، فالأولوية هي في كنهِ التعامل المثالي الحكومي عبر السياسات المتوازنة الواقعية، مع حماية المكتسبات الاقتصادية، والمحافظة على تماسكها، بصرف النظر عن أي اعتبارات أو تكاليف، من أجل تحقيق كامل الأحلام والطموحات، ببناء اقتصاد قوي، يتمتع بالاستدامة، وتنويع مصادر الدخل.
لا شك في أن هناك خطوات تمت وأسهمت في إنعاش جوانب أساسية في حلقة الإنتاج والاقتصاد، لكن يبقى حجم الطموح والتطلع للمستقبل أكبر بكثير، وهذا ما تنوي الإدارات الرسمية العمل عليه، وكل ما يعزز مسار النمو الاقتصادي بصورة كبيرة، على تواضع مستويات النمو العامة التي تؤشر في بعض جوانبها إلى وجود تحسنات ما، ستصب لاحقاً في خانة النمو الاقتصادي، هذا يدل على أن هناك سلسلة لا تنتهي من المشاريع والمبادرات لتعزيز المسار التنموي الشامل، وتوفير الأدوات اللازمة له، عبر تشريعات مساندة، وتدخلات جادة.
لا نستبعد أن تثمر الشهور المقبلة إحراز نقاط ايجابية في ظل أعمال تعمل عليها كل الجهات لرفد مسار النمو الاقتصادي، وربما ستظهر نتائج تلك الخطوات والأعمال في ضخ استثمارات في مشروعات جديدة وإحياء أخرى، الأمر الذي ستكون له انعكاساته القوية على منظومة الاقتصاد الوطني التي تسير بوتيرة تبعث على التفاؤل والأمل.