جولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة (فيسبوك)، ستؤكد لك أن السوريين طوّروا من حيث يدرون أو لا يدرون، وغالباً لا يدرون، مدارس أدبية ساخرة جديدة، تجاوزت كل ما نعرفه عن الكوميديا السوداء (التراجيكوميدي)، وكل ما عرفنا وقرأنا عند الكتّاب الساخرين العالميين والمحليين، وجديدُها يأتي من تحويل أنواع معاناة جديدة وقاسية جداً إلى نُكات.
معاناة وعذابات مجرد التفكير بالتعامل معها بأي طريقة غير النواح والعويل، سيكون ضرباً من المبالغة السمجة التي قد تصل إلى لا إنسانية الطرح، يتعاطى معها السوريون بلا حساسية مفرطة كما يفترض المنطق، وبروح مرحة وبتفاعل (أضحكني) الذي لو أجريت إحصائية لنوعية تفاعل السوريين على الموقع الأزرق لكان هو الأكثر استخداماً بلا شك.
هنا نستذكر جملة من قصيدة وأغنية (البحر بيضحك ليه) التي كتبها الشاعر المصري (أحمد فؤاد نجم) ولحنها وغناها (الشيخ إمام) والتي تقول: (مساكين بنضحك مِـ البلوى.. زي الديوك والروح حلوة).
في الحقيقة لقد طوّر العقل السوري خلال السنوات العشر الماضية التي عانى فيها ومايزال من الحرب والارهاب والحصار والأزمات الاقتصادية آليات دفاع يهرب بها من واقعه ويحتال عليه، لدرجة أن فرويد لو كان حيّاً، لقال لنا حتماً (لك لا يا شباب مو هيك مو هيك).
المخيف في آلية الدفاع هذه رغم نجاعتها في كثير من المواقف ولو مؤقتاً، هي أنها بدأت تتحول إلى سلوك عند البعض، وتحولت وترسخت بشكل كامل عند البعض الآخر بسبب العجز عن ابتكار أو إيجاد أي آلية واقعية تُخرجه مما هو فيه.
ومن الأمور المبكية المضحكة أيضاً، هبوط سقف الأمنيات بشكل كبير، وهذا أيضاً نلمسه في كتابات السوريين، فمثلاً صار الاستحمام أمنية، والدفء أمنية، ومقعد فارغ في ميكرو أمنية، وشخصياً، إن حصلت على المصباح السحري وفركته وخرج مارده وقال لي (شبيك لبيك عبدك بين إيديك اطلب وتمنى)، سأقول له وبلا تردد: (اشحنلي البطارية).