قد يستطيع الصناعي حلحلة أموره عند نقص الكهرباء والمحروقات، لكنه يقف عاجزاً أمام أزمة نقص اليد العاملة الخبيرة، المأساة الفعلية حالياً، ما سيضطرني لاستقدام عمالة خارجية لضمان استمرارية تشغيل معملي..هذه الكلمات القاسية قالها بحرقة أحد الصناعيين الكبار في مدينة حلب، داقاً ناقوس الخطر لمعالجة هذه الظاهرة، التي أصبحت تهدد مؤسسات القطاع العام والخاص بعد التسرب الكبير في الكفاءات الصناعية والحرفية وهجرتها إلى دول عديدة حاولت استقطابها بكل المغريات الممكنة للاستفادة من خبراتها… فأين المعنيون من هذا الواقع الخطير الذي يحرم اقتصادنا من خيرات رأسماله البشري؟.
ترميم النقص الحاد في الكفاءات والتمكن من استعادة بعضها (المهاجر) بغية النهوض بالواقع الصناعي ومنع اندثار بعض الحرف التراثية، يحتاج إلى فعل جدي وملموس وفق خطة عمل مدروسة تضمن تحقيق نتائج جوهرية تحقق الهدف المراد، ولعل أولها رفع أجور العمال في منشآت القطاع الصناعي العام والخاص بحيث تحقق مستوى معيشياً مقبولاً تمنعهم من التفكير في السفر للبحث عن فرص عمل في بلدان ترغب أصلاً في استقطابهم، وهذا ما يشير إليه صناعيون كثر بتأكيدهم أن العمال الشباب عند حصولهم على الخبرة الصناعية المطلوبة (يطيرون) فجأة إلى دول أخرى تقدم لهم أجوراً مغرية، لذا أصبح رفع رواتب أصحاب الكفاءات والخبرات مطلباً ملحاً لإنقاذ الصناعة و(اقتصادنا) عموماً وليس فقط تحسين معيشة هذه الفئات، التي يعد الحفاظ على خبراتها واجباً وطنياً واقتصادياً، وبالتوازي مع ذلك يفترض تقديم كل التسهيلات والدعم للتعليم الحرفي والمهني، بهدف إنتاج جيل جديد من الصناعيين المنتجين والحرفيين القادرين على سد النقص الحاصل بسبب الاستنزاف الخطير في الكفاءات الشابة وأصحاب الخبرات والعقول، وهذا سيضمن لاحقاً السير بخطوات متسارعة في مرحلة إعادة الإعمار عند الخلاص نهائياً من هذه الحرب الملعونة وآثارها الاقتصادية.
استثمار رأسمالنا البشري المنتج و(الفتي) يحتاج بالدرجة الأولى إلى بيئة جاذبة للكفاءات تمكنه من الإنتاج والعطاء وتذليل المعوقات الطاردة كما يحصل اليوم، ما يستلزم حزمة قرارات من أعلى السلطات لوقف أولاً النزيف الحاد في كفاءاتنا وخساراتها لصالح اقتصاديات دول كانت شريكاً فعلياً في تدمير صناعتنا وتأزيم واقعنا الاقتصادي، والعمل تالياً على ترميم مخزون كفاءاتنا الشابة وتحديداً في القطاع الصناعي والحرفي وحمايته بكل الطرق الداعمة والتشجيعية أسوة بكل دول العالم، كونه الرصيد الرابح الذي لا يخيب ولا يخذل عند استثماره الصحيح و(المكين)….فماذا اشتغل حتى الآن لمعالجة هذا الملف (الساخن) الذي (يحرك) و(يبطئ) سير إعمار الإنتاج والجيوب ويحمي (لقمتنا) إذا (أعدت) بأيد نظيفة الكف ومبدعة في إدارة المطبات وصنع الحلول.