الكومبارس.. ثورة ضد الظّلم تحصل في الكوميديا فقط!
وصف الممثل المصري الرّاحل رشدي أباظة «الكومبارس» بأنّه «ملح الفن ومقبّلاته» و«طبق السّلطة الشّهي» على مائدة الفن، وإليه يعود سبب تسمية المقهى الذي يجتمع فيه الكومبارس المصري في القاهرة باسم «مقهى بعْرة»، منتظرين ترشيحهم لدور هامشي آخر.
نهم «ممثلو الكومبارس» الذين ثاروا في إحدى حلقات السّلسلة الكوميدية السّاخرة «بقعة ضوء» على المخرج والممثلين من أجل الحصول على أدنى مقومات العمل، وفي ملخص الحلقة يطلب المخرج محمد الشيخ نجيب إعادة تصوير مشهد من العمل التّاريخي الذي يخرجه أكثر من مرّة، فينتفض البطل «صباح عبيد» في وجهه ويشرب من عبوة الماء قليلاً، ثمّ يرميها على التّراب ليتلقفها من بعده رجل عجوز يعمل مع الحشود أو المجاميع «الكومبارس» وبعد الـ«فركشة» أكثر من مرّة ينتفض الكومبارس وتحصل المعركة الحقيقية ردّاً على الظّلم الذي يتعرّضون له في عملهم هذا كأنّهم «إكسسوار» زائد وليس بشراً من لحم ودم أو عنصراً أساسياً في العمل.
وإذا توقفنا قليلاً عند تعريف «الكومبارس» في اللغة العربية نجد أنهم الحشود أو إن صحّ التّعبير الكومبارس هو ممثل إضافي لا درجةَ له، لكنّه عنصر مهم في الدّراما والسّينما، وهو جندي مجهول لا نتذكره حتّى بالاسم، فمن منّا يتذكّر الحشود في «البواشق» أو «الفوارس» أو عمّال المطاعم وروّادها أو ركّاب الحافلات أو النّاس المجتمعين في الشّارع في أي عملٍ درامي شاهدناه أو فيلم سينمائي أحببناه، أكاد أجزم بأن الجواب هو لا أحد، على الرّغم من أهميته وإعطائه سمة «الطّبيعي» لأي مشهد يشارك فيه وأحياناً مسوّغات حدوثه ونتائجه، باستثناء أهاليهم وأصدقائهم وأقاربهم، وهنا لابدّ من التّنويه بأنّ هؤلاء المحتشدين هم من شرائح عمرية مختلفة ومن مستويات علمية مختلفة بينهم عائلات بأكملها وبينهم كبار السّن رجالاً ونساءً وطلّاب جامعات ولا يخلو الأمر من بعض محبّي التّمثيل والطّامحين للشّهرة ظنّاً منهم أنّ العمل «كومبارس» خطوة من الخطوات التي يجب اتّخاذها من باب عدم توفير أي وسيلة للوصول إلى هدفهم لأسباب تمنعهم من الدّراسة الأكاديمية، وهؤلاء بعضهم يصل إلى مبتغاه، والبعض الآخر يتخلى عن الفكرة إلى الأبد، نظراً لظروف العمل الصّعبة والقاسية وغير العادلة من حيث الأجور المدفوعة لقاء المشهد الواحد، التي حددت فيما مضى بثلاثمئة ليرة أو أربعمئة ليرة سورية ـ البعض كان يدفع ألف ليرة سورية لقاء يوم عمل كامل ـ وهو أجر يكاد لا يذكر أبداً مهما زادت الأجور!
هذا المشهد الذي سيعيده مجبراً عندما تسيل حمرة الممثلة الأساسية أو يعبث الهواء بشعر الممثل البطل أو يتلكأ كلاهما في أداء المشهد. طبعاً لابدّ من الإشارة إلى أنّ الأجر لا علاقة له بطعامهم أو شرابهم، فبعض شركات الإنتاج غير مسؤولة حتّى عن كأس ماء أو «سندويشة» صغيرة، وبعضها يُقدِّمُ الـ«سندويشة» لكنّها لا تمنع الشّعور بالدّونية عندما يشاهد الكومبارس الوجبات التي يتناولها الممثلون من الدّرجات الأولى، نضيف إلى هذا المصيبة الكبرى التي تتمثل بشتائم قد يطلقها مخرج عصبي على الكومبارس وعلى الممثلين من الدّرجتين الثّانية والثّالثة أيضاً، الأمر الذي كان سبب خلاف أساس بين كثيرين من الممثلين والمخرجين التي غالباً ما سمعنا فيها عبر البرامج الحوارية الفنّية التي لم تتذكر هي الأخرى يوماً هؤلاء الجنود المجهولين لا من باب إنساني ولا من باب فنّي.
على ما يبدو فإنّ الشّركاء في هذه المأساة كثر، إذ ينضمّ إلى السّابقين «متعهد الكومبارس» أو المسؤول عن جمعهم وتسجيل أسمائهم وصرف أجورهم، وهذا أيضاً متّهم بـ«هضم حقهم من دون عصير».
والسّؤال المطروح حالياً: ألم يحن الوقت للنّظر في أمر هذه المهنة؟ مع العلم أنّ البعض حتّى اليوم لا يقول بها، ناسياً أو متناسياً أن ممثلين عرباً وأجانب انطلقوا من كومبارس صامت أو من كومبارس أدّى مشهداً صغيراً إلى العالمية، ولن نذكر هنا ممثلين عرباً لكي لا نقع في القيل والقال بل سأكتفي بذكر ممثلين أجانب نعرفهم أبطالاً ومن أعلى الممثلين أجراً منهم براد بيت ورينيه زيلويغر ومارلين مونرو مات ديمون وبن آفيلك وغيرهم.