أَردُوغان وَهُرُوبٌ.. آَخر
في آخر «تقليعة» أو «فلكوشة» ولن تكون “المتفجرة” الأخيرة التي يفخخها ويأمر بتفجيرها رئيس النظام التركي رجب أردوغان وزارة خارجيته بطرد (ونقول طرد سفراء الولايات المتحدة وكندا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وهولندا والنروج والسويد وفلندا ونيوزيلندا).. وبعد الأمر بالطرد وأنهم غير مرغوب بهم في تركيا.. أضاف أردوغان: «سوف يعرفون تركيا ويفهمونها غصباً عنهم.. وإذا لم يفهمونها سيرحلون».. وأردف: «سنواصل تعزيز وتوثيق تعاوننا وعلاقاتنا مع قارة إفريقيا لأن نضالنا هناك يزعج المستعمرين.. لأنه نضال في سبيل عالم أكثر عدلاً يزعج طابورهم الخامس».. وقال مخاطباً الدول العشر المومأ إليها: «ألستم من قتلتم مليون شخص في الجزائر ومليون شخص في نيجيريا و900 ألف في رواندا».
من كلام أردوغان المخادع والمنافق الكثير من الحقيقة، ولكنه «كلام حق يُراد به باطل»، ولكن قبل تفنيد كلام رئيس النظام التركي وقراءة ما بين السطور نقف قليلاً عند بيان ما يسمى الدول العشر حول قضية رجل الأعمال التركي عثمان كافالا، الذي جاء البيان له ومن أجله، ونحن بالطبع لا نعترض على موقف رفع الضيم عن متهم في سجون أردوغان.. وأمثاله كُثر.. وإنما نستغرب الكيل بمكيالين.. أين هذه الدول التي أقل ما يُقال فيها أنّها تدّعي الإنسانية والحرية من هذا اللص، المجنون، الموتور على سورية منذ عشر سنوات عجاف، أولاً، بل في المنطقة العربية والإقليمية والدولية.
لاشكّ أن استذكار التاريخ وإن كان قاسياً ومؤلماً ومحزناً وكارثياً، ولكنه ضرورة حتمية لكشف زيف ادعاءات أردوغان لقراءة الواقع والمستقبل بحيادية.. علماً أنني لست محايداً عند الحديث عن أردوغان ونظامه «الإخونجي» فأنا منحاز تماماً لأنني واحد من السوريين الذين هم خير من خبروا وجرّبوا أردوغان وشعاراته الجوفاء الكاذبة.. ونحن أكثر من دفع ثمن خطاباته ومتغيّراته ولولبياته واستداراته وإرهابه الدموي المشهود للقاصي والداني.
أليس هو من بشّر إرهابييه بالصلاة الجامعة بالجامع الأموي؟ وهو من دخل بشكل فج ومباشر في الحرب على سورية، وهو من شرع حدوده البرية والبحرية والجوية لكل التنظيمات الإرهابية لسورية وضَمِنَ لهم الحماية والرعاية والجنسية، وهو من أوعز لقادة المجموعات الإرهابية بقطر معامل السوريين ونهب ثرواتهم من أقماح وأقطان وقطعان أغنام وغاز ونفط؟.. أليس هو من يحتل أراض سورية على امتداد الحدود المشتركة بطول 822 كم من المتوسط غرباً حتى شط نهر دجلة شرقاً وبعمق 35 كم للتحكم بسدود المياه وشفط آبار النفط والغاز مع أمريكا في عمق الجزيرة السورية؟.. أليس هو أيضاً من فرض المناهج التركية على مدارس المناطق التي يحتلها جنوده وإرهابيوه؟.. وهو من فرض العملة التركية واستبدل أسماء القرى والمدن والساحات والشوارع العربية بأسماء تركية؟..
أليس هو من عبث بالديموغرافيا في المناطق التي يحتلها جنوده وأقام فيها مساكن للإرهابيين الذين يدينون له بالطاعة والولاء والوفاء؟..
أليس هو من يقطع بين الحين والآخر المياه عن السوريين في الجزيرة السورية؟.
عن أي عدالة يتفوه وعن أي معايرة يعاير بها الاستعمار الغربي؟ ماذا يسمي احتلاله لأرض سورية؟ بل ماذا يسمي احتلال أجداده العثمانيين للدول العربية 400 عام مترافقة بالنهب والقتل والتنكيل والترييك؟
أين هذه الدول التي تدّعي حمل راية المساواة والحرية من كل هذه التجاوزات.. وكل واحدة منها تستحق بياناً؟.. أم إن حرية متهم واحد تعنيهم بينما حرية شعب فيها وجه نظر؟!
ما فعله أردوغان ومن خلفه أكثر من 180 دولة منها دول في مجلس الأمن، وبعضها يطلق على نفسه دولة عُظمى، وبعضها يدّعي أنه حامل لواء الحرية.. والنضال.. والدفاع عن حقوق الشعوب؛ بحق السوريين، لم يعرفه التاريخ، ولم تجربه الجغرافيا قط.. وهذا يؤكد أنه ليس مصادفة، بل ممنهج ومخطط ومهندس ومدرس.. وهو يحاكي «السيناريو» الصهيوني بالاحتلال والاستيطان وتهجير السكان الأصليين لتحقيق حلمه وحلم أجداده «العثمانيين» «تركيا العظمى» على غرار الحلم الصهيوني «إسرائيل الكبرى».
وما أشرنا إليه بعض من كثير مما فعله ومازال يفعله أردوغان مع جارته سورية، ومازال يختبئ وراء أصبعه بعد كل هذه السنوات المقحلات المجدبات التي أهلكت الحرث والنسل، ودمّرت البلاد وهجّرت العباد.. وهذا ما يصبو إليه أردوغان ومن خلفه «ناتو».. كل هذا جرى ويجري أمام دول العالم وعلى رأسها الدول العشر التي تذرف دموع التماسيح على رجل في سجون أردوغان.. أين هذه الدول من كل هذا؟.. بل أين الإدانة.. وهذا أضعف الإيمان؟.
ولكن السؤال الأخطر: لماذا هذا التسخين المفتعل والمبالغ فيه من أردوغان وفي هذا التوقيت؟.. هل لأنه استشعر تراجع سعيه.. وتفكك «حرية العدالة والتنمية» وهبوط الليرة إلى الحضيض، وارتفاع معدلات البطالة، وانهيار التدابير الوقائية في مواجهة «كورونا» وانكشاف نيّاته الخبيثة مع رفاق الأمس، والتخلص منهم بالاغتيالات، والاتهامات الجاهزة، وإشغال الجيش في حروب وهمية خارجية، وتراجع التحالف «الإخواني» مع مشيخة قطر، وسقوط حلفائه «الإخونجية» في تونس وليبيا.
والسؤال: لماذا الكباش في هذه الأيام مع الاتحاد الأوروبي «ناتو»؟ هل هو البيان المشترك حول «كافالا» أم شماعة.. وهذه عادة أردوغان؟.. أم سقوط ورقة التوت الأخيرة عن عورته أمام روسيا وانتهاء شهر العسل مع الكرملين ليس بقضية «كافالا» وإنما أخطر وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف معرباً عن استياء روسيا من استخدام قوات أوكرانية لطائرة «بيرقدار تي بي2» المسيرة الهجومية من صنع تركيا ضد الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا، وهذا مؤشر أن أنقرة تعمل وتنسق سراً مع كييف على حساب روسيا (وفق لافروف).
اللافت أكثر رغم خطورة ما تقدّم هو مغازلة إفريقيا، والتوجّه إليها في قادم الأيام، وهذا مؤشر على استدارة جديدة، ولولبية جديدة، ومغامرة إخوانية بطربوش عثماني تجاه القارة السمراء، بعد أن عاث فساداً بآسيا وأطراف أوروبا.. عبر «المتوسط» لأنه يشعر ويعي أن تركيا على أبواب انفجارات وأزمات وارتدادات كبيرة قادمة سوف تطوله.. فهو يسارع في الهروب إلى الأمام، لعلّه ينجو.. هذه المرة.
أقول قولي هذا فاصلاً.. لن يستفيد أردوغان بعد ذلك من الحركات البهلوانية والتلون والمراوغة، والاستدارات والالتفافات، وتغيير جلده، والقفز من حبل إلى آخر؛ وهو ما يجيده منذ 19 عاماً منذ توليه السلطة.. ولن يجدي بعد اليوم التلطّي خلف شماعة الدفاع عن الإسلام، لأنه بات مكشوفاً وهو يلهث متمنياً صنع تاريخ جديد كاذب لنفسه، يعيد للأتراك أمجاد «السلاطين» البائدة.