عُنصُرِيَّةُ «إسرائيل»
أقامت الماكينة الإعلامية الصهيونية الجهنمية، وما يدور في فلكها من وسائل الإعلام المختلفة عالمياً، إقليمياً، وما ينطق بالعربية.. الدنيا ولم تقعدها -حتى كتابة هذه السطور- ناقلة وبشكل مباشر حفل ابن السيدة هدى نونو، السفيرة السابقة لمملكة البحرين لدى الولايات المتحدة بزفاف نجلها وفق الديانة اليهودية في المنامة، لماذا؟ ولماذا هذا التسويف؟، وما المراد والغاية من هذه المبالغة؟
سوف نحاول قراءة ما بين السطور والأهداف، وما الذي يبتغيه الكيان الصهيوني؟ ولكن قبل القراءة؛ أقول فعلاً إن الزفاف المومأ إليه كان حديث البحرين عن بكرة أبيها.. وفعلاً تصدّر عناوين الصحف البحرينية والخليجية، بل كان الخبر الأول في الكثير من وكالات الأنباء الخليجية والعالمية، بل كان مدار حديث كل منصات التواصل الاجتماعي، حتى قيل إنه زواج العصر وخرافي لا مثيل له منذ أكثر من 50 عاماً في العاصمة البحرينية المنامة.. وإن كان ما سبق صحيح بل أكثر من ذلك، ليس لأنه لابن سفيرة في واشنطن، وليس لأنه من الطبقة المخملية، أو من الأسرة الحاكمة، بل لأنه زفاف يهودي.. وهنا المغزى، وهنا يكمن السر، وهذا ما جعله بيضة القبّان، ويبعث عدة رسائل، ولكن لماذا؟ وما الجديد أو النادر بزواج مواطن عادي مهما كانت ديانته؟ الجواب.. أمر عادي، ولكن غير العادي وجود اليد الصهيونية في الموضوع.. وهذا سبب المبالغة، والنقل المباشر عبر الأقمار الصناعية، لأن الكيان يريد الترويج للتطبيع المجاني، وإبراز العلاقة الوثيقة والمتميزة مع مشيخة البحرين؛ ولإعطاء صورة للإعلام العربي أولاً، والعالمي ثانياً بمدى ما وصلت له بعض المشيخات مع الكيان الصهيوني.. ولكن فات ساسة الكيان الصهيوني أن السيدة النونو وإن كانت يهودية الديانة -التي نجلّها ونقدّسها- هي مواطنة عربية وهذا سلوك المواطنين العرب قبل حكوماتهم تجاه إخوانهم في الوطن من الديانة السماوية اليهودية وغيرها.. وحتى من الديانات الوضعية.. وهذا ليس بجديد، فقد كان يوسف قطاوي باشا وزيراً للمالية المصرية في العام 1950، وروني الطرابلسي وزيراً للسياحة التونسية في حكومة الشاهد في العام 2018، ولدينا عشرات الشواهد والأمثلة لا مجال لاستعراضها في العراق واليمن والمغرب.. ولكن بالمقابل.. أين الكيان الصهيوني والإعلام الناطق بالعربية الذي أراد الترويج لزفاف نجل النونو من قانون “يهودية الدولة” وما يسمى «صفقة القرن»، وعمليات التهجير والاستيطان، والاغتيالات، وتغيير التاريخ والجغرافيا، واحتلال أراض عربية حتى الساعة.. ومن الاعتداءات اليومية على الدول والعربية.. وأمام أعين العالم الذي لم يحرّك ساكناً.
بل أين قادة الكيان الصهيوني من التقرير الذي نشرته صحيفة «يديعوت أحرنوت» في الـ20 من الشهر الجاري الذي كشف النقاب عن تعرض الكثير من النساء الفلسطينيات لعمليات اغتصاب ممنهجة مقابل منحهن تصاريح عبور وعمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 2013 ولم يتجرأ حتى على إعلان أسماء المعتدين ولا صورهم، لأنه قيد «حظر النشر» وفق «أحرنوت».
بل أين الكيان الذي يفاخر بالتطبيع مع بعض العربان وبعض المشيخات من تصريح عضو «الكنيست» بتسلئيل سموتريتس والمنتمي لحزب «تكوما» المكون الرئيس لحزب «البيت اليهودي» أشهر الأحزاب اليمينية الصهيونية المتطرفة والذي قال من على منبر «الكنيست» وعلى الملأ، وأمام كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية: “إن وجود العرب من أعضاء «الكنيست» وغيرهم من العرب في الداخل الفلسطيني.. ما هو إلا خطأ.. وأن بن غوروين أخطأ لكونه لم يكمل مهمته في إبادة الفلسطينيين».
أين الكيان من هذا التصريح المباشر العنصري المشبع بالكراهية والحقد.. ولو أن مواطناً فلسطينياً قال هذا الحديث، ماذا فعل الكيان؟.. ولو أن مسوؤلاً عربياً قال ذلك، ماذا كان جرى؟.. ولو أن مسؤولاً أممياً نطق هذا الحديث أما كانت قامت الدنيا عليه من الكيان الصهيوني؟.. لكن إذا كان أصل الكيان احتلالياً، استيطانياً، توسعياً، عنصرياً، إلغائياً، فلا عجب؟
قد يعتقد عتاة الصهاينة أن أمنهم يتحقق بتطاول الجدران التي يقيمونها.. وعزل المستوطنات بموانع كهربائية فوق الحمراء، وأن بقاءهم مرهون بتزوير التاريخ وتسوية الجغرافيا.. والعبث بالديموغرافيا.. واهمون.. وسذّج، لأن القدس دمرت أكثر من مرة وحُوصرت زهاء 23 مرة، واحتُلّت أكثر من /40/ مرة وبقيت فلسطين وقدسها الشريف.. وغزاتها رحلوا يجرّون ذيول الهزيمة والخيبة، والتاريخ يشهد لمن يريد أن يتعظ ويعتبر ويتعلّم.
في السطر الأخير نقول: لا عتب ولا عجب على سلوكيات الكيان الصهيوني القذرة.. ولا غريب على من ولد في الجولان السوري المحتل من أمثال «سموتريتس» وترعرع في مستوطنة «بيت أمل» في رام الله الفلسطينية المحتلة ويعيش اليوم في مستوطنة «كدوئيم» ويمارس أبشع وأقذر حالات العنصرية والتطرّف.. ولكن العتب على بعض المشيخات والعربان الذين يسعون بكل الطرق وبشكل مجاني للتطبيع مع هذا الكيان مرة تحت غطاء «التعاون الاقتصادي» ومرة «الرياضي» ومرة «الاجتماعي» ومرة «التسامح الديني».. وآخرها شماعة الخطر الإيراني؛ لفتح خزائنهم وأسواقهم وقصورهم لهذا الكيان التوسعي الذي فاخر مؤسسوه بشعار ما يزال على واجهة الكنيست «حدودك إسرائيل من الفرات إلى النيل».. أما أمثال المتطرف العنصري «سموتريتس» فيطالب اليوم بما يسمى حقوق أجداده في الحجاز والمدينة المنورة.. هل يعي العربان هذا التوجّه.. أم فالج لا تعالج؟..