تولستوي يفتتح روايته «آنا كارينينا» بالجملة الشهيرة: كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة»!
هذه الافتتاحية الروائية لعبقري كـ تولستوي تلهمك العديد من الصور العملية لأحزانك وأتراحك في ما ورائيات الورديِّ من يومياتك والمخزون الهائل لمفرزات خيالك الموجوع، وأيّاً كانت ردود أفعالك، قبولك أو استهجانك لتصنيف أدبي تخطّى زمانه ومكانه ولامسَ حكايا عديدة غير منتهية تعرفها عن تعاسة عوائل وشخصيات كثيرة، فيما لو حاولت حصر الحكايا المشرقة .. لكان من السهل جمعها بقواسم سعادتها.
افتتاحية تولستوي تعدّ منهجاً كاملاً قابلاً للدراسة وبحركة ذهنية بدائية لا بد ستهز رأسك موافقاً مقولة تولستوي أو ستعنُّ عنّاتٍ خفيفة تلعَنُ بَعدَها الظروفَ السيئة المحشوة في تلافيف مخك وخياشيم أنفك المتصلة بقناة عينك الدمعية الحاضرة لفعل النواح والبكاء على أقل حادثة أو ذكرى!
ويمكن أيضاً أن تكون ممن يمقتون الندب والعويل ويفضلون البحث عن الحلول، لذلك ماذا لو تجاوزنا خطوط الصور الروائية، وانتقلنا من مرحلة التصنيف لما هو مصدّر لشعور السعادة أو التعاسة، وردمنا التفاصيل والأمثلة العديدة لمبررات الوجه الحزين واسترسلنا بحديث إيجابي حدّ التذكير بقصة ممرضة كانت تدخل إلى غرفة العمليات الصعبة وتسأل المريض عن مرضه واسم الطبيب الذي سيجري له العملية، وما إنْ تعرف اسم الطبيب حتى تبدأ بالمديح المبالغ فيه بالطبيب ومهارته بالجراحة، وتتساءل عن وفرة حظوظه ليكون بين مرضاه الذين ينتظرون لشهور ليكونوا تحت مبضعه.
سلوكيات الممرضة هذه كانت تزيد من ثقة المريض بنفسه وطبيبه وتدخله غيبوبة العملية وهو بكامل طاقته الإيجابية التي تتكلل بنجاح العملية وشفاء المريض، ويعود سبب النجاح المباشر لممرضة مهنتها الأساسية «اختصاصية نفسية» وظيفتها رفع المعنويات لمن يعانون من حالات مرضية حرجة.
سلوك الممرضة «الكذابة» بأسلوب إنساني يُدرّسُ أيضاً، ويمكن الاستفادة منه بتلوين افتتاحية تولستوي السوداوية واستطاعتها الإيجابية فيما لو تم تطبيقها لتقلصت طرق التعاسة العائلية!.