«لوبوان» و«ليكسبريس»: مجزرة باريس بحق الجزائريين صفحة مظلمة في تاريخ فرنسا

في مثل هذا اليوم /17 تشرين الأول/ قبل 60 عاماً ارتكبت فرنسا جريمة إنسانية جديدة بحق الشعب الجزائري، راح ضحيتها 30 ألف جزائري ما بين شهيد ومصاب ومعتقل على يد الشرطة الفرنسية المدججة بالسلاح لقمع أكبر تظاهرات الجزائريين التي خرجت سلمياً في شوارع العاصمة باريس دعماً لنضال بلادهم من أجل الاستقلال عن المستعمر الفرنسي.. ولاحقاً ارتبط اسم باريس بهذه المجزرة التي سميت مجزرة باريس، حيث يحيي الجزائريون ذكراها وذكرى ضحاياها في كل عام، فيما لم تستطع الحكومات الفرنسية المتعاقبة الإفلات والتنصل من هذه الجريمة بالإنكار والكذب وتزوير الوقائع، إذ إن الكثير من شهودها، وشهدائها الأحياء ما زالوا يروون تفاصيلها.

إحياء هذه الذكرى نجده أيضاً في الصحف الفرنسية التي ترصد تطور مواقف الحكومات الفرنسية من مسألة الاعتراف بهذه الجريمة، ومن مسألة الاعتذار الذي تطالب به الجزائر، على الدوام، فرنسا عن ماضيها الاستعماري المروع ضد الشعب الجزائري.

أبرز التغطيات كانت لمجلة «لوبوان» التي قالت في تقرير مطول لها: إن الملف الجزائري من الملفات التي تدار مباشرة من قصر الإليزيه، مستعرضة مختلف المبادرات التي حاول الرؤساء الفرنسيون تقديمها لتحسين صورتهم وصورة بلادهم لدى الشعب الجزائري.

وتضيف المجلة: عندما وصل إيمانويل ماكرون إلى السلطة حاول الظهور بصورة الرئيس المتصالح مع التاريخ، وتمكن من اتخاذ قرارات كانت الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية الخامسة مثل: الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية عن اختفاء معارضين ومناضلين جزائريين وأبرزهم موريس أودين وعلي بومنجل.

وتتابع المجلة: لكن ماكرون بالمقابل لم يتقدم خطوة واحدة باتجاه مسألة اعتذار فرنسا عن ماضيها الاستعماري رغم موافقته مؤخراً على قانون بشأن تعويض الجزائريين عن هذا الماضي.

وفي مقال لمجلة «ليكسبريس» للكاتبة أودريه بارمونتييه حمل عنوان «ليلة دامية منسية».. تقول فيه الكاتبة: إن ليلة الـ 17 من تشرين الأول عام 1961 هي إحدى الصفحات المظلمة في التاريخ الفرنسي. مضيفة: إن ماكرون، أول رئيس فرنسي يولد بعد الحرب الجزائرية (أي النضال الجزائري) اعترف أن “الجرائم التي ارتكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون لا تغتفر (بابون هو قائد شرطة باريس آنذاك).

وتضيف الكاتبة: إن إحياء هذه الذكرى بهذه الطريقة ذهب إلى أبعد من القمع الدموي الذي اعترف به فرانسوا هولاند عام 2012. (في إشارة إلى مشاركة ماكرون الجزائريين في إحياء هذه الذكرى باعتباره أول رئيس فرنسي يفعل ذلك).

وتؤكد المجلة الفرنسية أن رجال الشرطة الذين قاموا بقمع المتظاهرين الجزائريين ليلة 17 تشرين الأول عام 1961 أكملوا مهامهم بعدها، وهو حسب المؤرخين دليل على أنهم كانوا مهيئين لتلك المهمة التي برمجت من قبل، ولم يكن تواجدهم في الشوارع حينها بهدف الحفاظ على النظام العام، كما ادعوا وكذبوا.

وكانت السلطات الفرنسية فرضت حظر تجوال على الجزائريين الذين يعيشون في باريس ومحيطها في اليوم الـ 5 من تشرين الأول 1961 منعاً لهم من الخروج والتظاهر لدعم نضال بلادهم واستقلالها، لكن الجزائريين خرجوا في يوم الـ17 من هذا الشهر بأعداد كبيرة جداً وصلت إلى 30 ألفاً حسب التقديرات،  وبناءً على أوامر صادرة عن رئيس شرطة باريس آنذاك، موريس بابون، تدخلت الشرطة بقوة في قمع المتظاهرين وقتلت العشرات منهم عمداً في الشوارع ومحطات مترو الأنفاق، وألقت بعدد من المصابين من الجسور في نهر السين، ما أدى إلى مقتلهم، وهو ما بات يعرف بعد ذلك بمجزرة باريس.

وفي ظل رفض السلطات الفرنسية تقديم أرقام عن عدد الضحايا، تحدثت تقديرات غير رسمية عن إصابة آلاف الأشخاص واعتقال قرابة 14 ألف شخص.

واستمرت فرنسا في إنكار هذه المجزرة مدة 37 عاماً، لتعترف في عام 1998 بمسؤوليتها عن مقتل 40 جزائرياً فقط.

ويؤكد مؤرخون أن ما حدث في تلك الليلة يعد أكبر مجزرة آنذاك في أوروبا، بعد الحرب العالمية الثانية، وأنه تم لأسباب سياسية وعنصرية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار