من طقوس أعياد السوريين… العيدية من علامات المحبة حتى لو اقتصرت على رسالة
تشرين- إلهام عثمان:
لسنوات مضت، كان فرح الأطفال بقدوم العيد لا يقتصر على لبس الجديد، بل ما يزيد من زهوتهم وسعادتهم ما يجمعونه من نقود “العيدية” من الأهل والأقارب، فالعيدية كما هو معروف، مبالغ نقدية صغيرة يمنحها الكبار للصغار، وهي عادة سورية قديمة ومتوارثة بين الناس، فبمجرد انتهاء صلاة العيد يبدأ الأطفال بالانتقال من منزل لآخر من الأقارب، لتلقي العيديات وقطع الحلوة، لا سيما أن العيدية تعتبر علامة على المحبة والاحتفاء بالعيد، حيث تظهر التقدير والاهتمام بالأطفال في هذه المناسبة الخاصة.
تعطى للجميع
الخبيرة الأسرية روان إسماعيل، أكدت خلال تصريحها ل” تشرين”، أن العيدية عادةً ما تعطى للأطفال، ولكن في بعض الثقافات أو الأسر، قد تعطى للكبار أيضاً، مثل الأم و الأب والخالة والعمة أو ربما الجار ، إلا أن ذلك يعتمد على التقاليد والعادات في كل بلد، أو على الوضع المادي، فتعطى العيدية للأقارب (الأكبر سناً)، كتعبير عن الاحترام والتقدير في قدوم مناسبة العيد.
خبيرة: يجب على أفراد العائلة أن يتفهموا الظروف المالية لرب الأسرة ويقدروا الجهود التي يبذلها لرعايتهم
ظروف
إلا أن الخبيرة الأسرية بينت أن الظروف تغيرت، بسبب ما ذاقته سورية من إفرازات الحرب والحصار عليها، ما أثر على الوضع الإقتصادي بالكامل في المجتمع السوري، وبالتالي فإن الضغط الاقتصادي الناجم عن الأزمة أدى إلى تقليل قيمة العيدية التي تعطى، أو حتى تقليل عدد الأشخاص الذين يتلقون العيدية، ويرجع ذلك للضغوط المالية التي قد يشعر بها الأهل، حيث يجدون صعوبة في توفير مبلغ كبير للعيدية خاصة إذا كان عدد أفراد الأسرة كبير، ما يؤدي إلى تقليل قيمتها أو تقييدها ببعض الأقارب فقط، لافتة إلى أنه قد يكون توزيع العيديات على جميع الأطفال والأقارب أمراً صعباً لبعض الأسر، خاصة في ظل الظروف، وهنا يجب على رب الأسرة أن يكون واقعياً حسب رأيها، ويفهم قدراته المالية ويديرها بشكل حكيم ومتزن.
معالجة
يمكن لرب الأسرة كحل أسري إيجابي، حسب رأي إسماعيل، أن يتحاور مع أفراد الأسرة بشكل صريح حول الوضع المالي الحالي والتحديات التي يواجهها، والبحث عن حلول بديلة مثل تحديد مبلغ معين للعيديات، أو تقديم هدايا رمزية بدلاً من النقود، كما يمكن تشجيع الأطفال على فهم الظروف والمساهمة بأفكارهم لتوفير تجربة عيد إيجابية للجميع من دون تحميل الضغط المالي على رب الأسرة، كما يمكن من خلال التواصل المفتوح والصادق وتبادل الآراء والحلول المختلفة، أن تساعد في تخفيف الضغط وتوفير تجربة عيد مميزة للأسرة بأكملها.
تقصير
هل تقصير رب الأسرة وعدم قدرته على تقديم العيدية، يقلل من احترام أسرته له؟ تجيب إسماعيل: في حال كانت العلاقة الأسرية مبنية على الاحترام، والصدق، الاهتمام، التفاهم، والدعم العاطفي والمعنوي، فذلك لن يؤثر على احترامه، وتشدد هنا على أنه يجب على أفراد العائلة أن يتفهموا الظروف المالية لرب الأسرة ويقدروا الجهود التي يبذلها لرعايتهم في ظل الظروف التي تعيشها سورية ككل، لذا وجب التواصل المفتوح والصريح حول موضوع العيدية وخاصة إذا كان عدد أفراد الأسرة كبيراً، حيث سيساهم الحوار ويساعد في تجنب الارتباك والالتباس، كما يجب على رب الأسرة، توضيح أسباب عدم تقديم العيدية بشكل صادق وصريح، وتعزيز الروابط العائلية من خلال الاهتمام والتفاهم والدعم المتبادل، فالأهم هو أن يشعر أفراد الأسرة بالتقدير والاحترام المتبادل بغض النظر عن الجوانب المادية.
حلول
هناك العديد من الحلول البديلة التي يمكن للأهل اعتمادها بدلاً من الهدايا والعيديات التقليدية لأطفالهم والكبار السن، كقضاء وتخصيص وقت مميز مع الأسرة، بالأنشطة المشتركة مثل الرحلات القصيرة، النزهات، لعب الألعاب الجماعية أو حتى مشاركة وجبة شهية معاً، أو من خلال الهدايا العاطفية، ككتابة رسائل عاطفية للأطفال، أو صور ذكريات جميلة، أو مشاركة الأحاديث العميقة، كما يمكن للدعم العاطفي أن يكون له أثر كبير، او بالاستماع لآرائهم ومشاكلهم لتحقيق أهدافهم وتطوير مهاراتهم، أو ربما من خلال اشتراكهم في تجربة جديدة مثل دورات تعليمية، رحلات تعليمية أو حضور فعاليات ثقافية، وأن نشرح لهم أن المساعدة المالية تكون في الحاجات الضرورية وتلبية الاحتياجات اليومية أو المصروفات الدراسية، مؤكدة أن العلاقة القوية والتواصل الجيد بين الأهل والأبناء هو الأهم في بناء علاقة صحية ومستدامة.
آثار سلبية
هل يمكن أن يشعر الطفل بالنقص، إذا لم يكن هناك عيدية أو إذا كانت العيدية قليلة جداً مقارنة بغيره من أقرانه؟
تبين الخبيرة أنه يمكن للأطفال أن يشعروا بالنقص إذا لم يحصلوا على الهدايا أو العيديات كما يفعل أقرانهم، فهذا يمكن أن يؤثر على تقديرهم لأنفسهم وعلى شعورهم بالقبول والانتماء في المجتمع، كما يمكن أن تؤثر العيديات المحدودة أو غيابها عن الطفل على شعوره بالإهمال أو الغيرة عند مقارنته بأقرانه الذين يحصلون على هدايا أكثر، هذه الأحاسيس قد تنمو مع تطور الطفل وتؤثر على علاقته مع المال والقيم المادية في المستقبل، كما يمكن أن تؤثر الخبرات التي يمر بها الطفل في صغره على علاقته بالمال وأهمية الموارد المالية لديه عندما يكبر فيؤدي لشعوره بالنقص وبالتالي تنامي سلوكيات سلبية لديه، مثل الانفتاح المفرط على الشراء أو الطمع، أو يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس.
حلول
لذلك، من الضروري على الآباء والأمهات أن يكونوا متيقظين لهذه الجوانب النفسية والعاطفية لدى أطفالهم، حسب رأي الخبيرة، كأن يعملوا على بناء شعور القبول والحب والامتنان للأشياء غير المادية عند أطفالهم، مثل الوقت والدعم العاطفي والتشجيع، وتعزيز قيم الصداقة، الصدق، الاحترام، والتعاون والتي يمكن أن تساهم في تشكيل شخصية الطفل بشكل إيجابي وصحي عند نضوجه، ما يؤدي للتعاطف والتعاون مع رب الأسرة والأهل، كما أن الحفاظ على التوازن بين تلبية احتياجات الأطفال وتعليمهم قيم الاقتصاد والحفاظ على الموارد وتقدير مجهود الأهل.