أَينَ العَرَبُ مِما يُحَاكُ؟
لا نأتي بجديد فقد سبقنا الكثيرون -وهذا بات يعلمه القاصي والداني، المهتم والمتخصص والإنسان العادي- إذا قلنا: إن من سوف يسيطر على المنطقة العربية وهي الواقعة بين مضائق هرمز وباب المندب ومضيق جبل طارق والخليج العربي وخليج عدن و”الأحمر” وقناة السويس و”المتوسط”، سيطر ليس على «الشرق الأوسط» والأقصى فحسب، وإنما سوف يتحكم بالعالم برياً وبحرياً وجوياً، لأن هذه المنطقة الحيوية الإستراتيجية ليست موقعاً جغرافياً وحسب، وليست ممرات ومضائق مائية حساسة وحاكمة وحسب، وليست ممرات مختصرة إجبارية برية وجوية، وصلة وصل بين كل القارات وحسب.. وليست مهداً للحضارات المتعاقبة فقط.. وليست مهد الديانات السماوية وحسب.. وليست خزان الطاقة.. وليست 80% من احتياط النفط العالمي.. وليست 75% من احتياطي الغاز العالمي.. وليست خطوطاً مستقبلية لكل حوامل الطاقة من الدول المنتجة إلى المستهلكة فحسب.. وآخر ما تمخض عن هذه النوادر في هذه المنطقة المومأ إليها وجود اليورانيوم الغني عن التعريف، والذي يدخل في الصناعات النووية وهو الأهم من النفط والغاز والذهب والفضة.. وهذا الذي تبحث عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، للاستئثار به.
ناهيك عما يميز هذه المنطقة التي لا تفصل بينها موانع خارجية وإنما مصطنعة.. ويجمع بين هذه البلدان لغة واحدة وتاريخ واحد وجغرافيا واحدة وآمال وآلام مشتركة، وديانات سماوية متقاربة.. وهذا ما يرعب الغرب الذي يطمع بثروات هذه البلدان.. وقد سعى الاستعمار منذ فجر التاريخ للسيطرة على هذه المنطقة الإستراتيجية للسيطرة على العالم.. وعمل ويعمل على إفقار هذه البلدان رغم غناها، وخلق البؤر الطائفية والإقليمية والقومية والعشائرية والخلافات الحدودية.. بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فعندما يرى أي جارتين متوافقتين فإنه يعمل ويسعى بكل السبل إلى تفجير هذا التوافق ليتسنى له التدخل والاحتلال والسيطرة لإبقاء هذه المنطقة الإستراتيجية في حالة مخاض دائم.. ولتبقى شعوبها في حالة حرب.. وحرب اقتصادية.. وحصار اقتصادي جائر من طرف واحد لتجويع وإفقار وتجهيل شعوب هذه المنطقة لصالح رفاه شعوبها وبلدانها، وفي الوقت ذاته تسهيل هجرة عقول أبنائها واستثمار خبراتهم المتوارثة منذ آلاف السنين لإحياء بلدانهم التي أقل ما يُقال عنها إنها «عجوز»، وهي بحاجة لدماء الشباب العربي الحيوي، الفتي، المبدع، لبعث الروح في جسد شعوبها الهرمة.. وإحياء زراعتها وأرضها التي باتت خاوية على عروشها بسبب هرم المجتمع الغربي عامة.
كل هذه الأسباب دفعت وتدفع اليوم أمريكا وحلفاءها الغربيين بتعاون مع رأس الحربة النظام التركي يساعده الكيان الصهيوني الذي وُجد أصلاً لخدمة وتنفيذ هذه الخطط وأن يكون رأس حربة متقدماً في قلب الأمة العربية.. ولكن المؤسف أن بعض العربان يساعدون من حيث يدرون أو لا يدرون أو نكاية ببعضهم.. ويرمون بأنفسهم في حضن أمريكا تارة أو مع بعض دول «ناتو» تارة أخرى.. أو يتحالفون مع النظام التركي.. بل ذهبت بعض المشيخات لأن تطبع بشكل مجاني مع الكيان الصهيوني على حساب الحقوق العربية ومقدساتها ودماء شهدائها وبحجج وشماعات واهية لا أساس لها؟ فأين الدول العربية مما يجري بدءاً من افتعال الأحداث مع الجارة إيران خدمة لـ«إسرائيل».. مروراً بتطاول النظام التركي والدخول بحرب على سورية منذ أكثر من عشر سنوات عجاف، واحتلال أراض سورية، وأراض عراقية.. وإرسال إرهابيين إلى ليبيا والسعي المستمر لافتعال أي أزمة مع جيرانه العرب؟.
وأين الدول العربية من اتفاقية «أوكوس» وهي اتفاقية أمنية ثلاثية تجمع أستراليا بريطانيا وأمريكا، لتساعد كلاً من المومأ إليهم في تطوير ونشر غواصات تعمل بالطاقة النووية، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الغربي في البحار والمياه والمضائق العربية.. بل أين هم من رباعية «كواد» التي تجمع أمريكا والهند وأستراليا واليابان والتي أجرت قوات هذه الدول أكبر مناوراتها البحرية هذا الشهر، حيث أرسلت سفناً حربية وغواصات وطائرات إلى المياه الإقليمية في هذه المنطقة، والمحيط الهادي والهندي في خطوة لفرملة النشاط الروسي- الصيني النبيل في هذه المنطقة العربية.
وهذا ما أشارت إليه بصراحة صحيفة «كلوبال تايمز» الصينية واصفة هذه التدريبات بأنها تشكل خطراً على الاستقرار الإقليمي.. وأن هذا التحالف «النسخة الآسيوية لحلف شمال الأطلسي- ناتو» ولكن في المنطقة العربية.
خلاصة القول: لاشك أن أمريكا وحلفاءها في المنطقة يسعون بكل السبل إلى تسخين هذه المياه والممرات الحيوية لقطع الطريق على روسيا والصين الحليفين للشعب العربي.. من أي استفادة من هذه المنطقة الخصبة والإستراتيجية.. وهذا أمر طبيعي في السياسات العالمية رغم تحفظنا عليه.. ولكن غير الطبيعي موقف بعض الدول العربية من هذه الاصطفافات وهذه التحالفات التي هي بلا شك على حساب ثرواتهم وحقوق شعوبهم من جهة، ومن جهة ثانية باتت المنطقة ساحة حرب سياسية وعسكرية واقتصادية، وإعلامية، وسيبرانية تخدم الكيان الصهيوني ودول الغرب الاستعماري، ووريث “العثمانيين” أردوغان.. فهل يستفيق بعض العربان وبعض المشيخات مما يُحاك لهم، أم يبقون يلهثون وراء سراب حماية الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الكاذب، وكل همهم ليس مصالح شعوب المنطقة بل حلب “ضروع” جديدة.