الدَّهرُ يَبدَأُ مِن دِمَشقَ وَعِندَهَا..
كنت سعيداً ولا أعطي فرحتي لأحد، كحال معظم الأردنيين عامة ومحافظة المفرق الأردنية خاصة، حين رأيت عشرات المواطنين من سكان وسائقي شاحنات ومكاتب سياحة وسفر وهم مطروبون سعداء، مسرورون لفتح معبر “نصيب- جابر” الوحيد على طول الحدود السورية- الأردنية، والذي وصفه البعض بأنه شريان الحياة، والبعض الآخر بنسيم الروح وشريان الدم وشريان الأسرة والعائلة الواحدة، والقبيلة الواحدة؛ هذا كان لسان حال من التقت بهم وسائل الإعلام الأردنية لمناسبة افتتاح المعبر مع سورية الشقيقة، حيث اختلطت دموع الفرح بدموع حزن من يريد الإبقاء على هذا المعبر الحيوي مغلقاً لغاية في نفس من أراد معاقبة الأردن قبل حصار سورية.
بصدق لم أستغرب فرحة الأشقاء التي توازي، بل تزيد على فرحة إخوتهم السوريين الذين فرضت عليهم إجراءات قسرية أحادية الجانب غير شرعية بموجب سيئ الصيت ما يسمى «قانون قيصر» بعد عشر سنوات عجاف مترافقة مع حرب إرهابية عسكرية شاركت فيها أكثر من 180 دولة بغرف عمليات مشتركة يساندها أكثر من 400 ألف إرهابي مطلوبين عالمياً، تشد أزرهم كبرى الماكينات الإعلامية العالمية، وأخواتها بالمؤامرة الناطقة بالعربية.. أرادوها حرباً تأكل الأخضر واليابس، ولكنها عجزت رغم قسوتها وفجورها أن تكسر إرادة ووفاء وإخلاص السوريين لوطنهم ولجيشهم ولقائدهم.
معبر نصيب.. وكل الحدود السورية- الأردنية الـ375 كم تحت رعاية وإشراف وعناية بواسل الجيش العربي السوري، بعدما كانت لمدة عشر سنوات مرتعاً لآلاف الإرهابيين والمرتزقة، ومسرحاً لعمليات التهريب والإرهاب، والخطف والتسلل المرتبطة بغرفة عمليات يقودها الكيان الصهيوني بالتعاون والتوافق مع عربان ومشيخات، وكان الهدف من ذلك إجبار الأردن وبعض المشيخات للتحول نحو الموانئ التي يحتلها العدو الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
افتتاح معبر نصيب لم يكن الأول منذ ما يسمى «الربيع العربي»، وإنما افتتح لأول مرة في تشرين الأول عام 2018 عند رغبة الإخوة الأردنيين.. وكانت وسائل الإعلام الأردنية شاهدة على فرح الأردنيين القادمين من دمشق وفروق الأسعار.. حتى قال البعض «يبدو أن الأردنيين هم من كانوا محاصرين وليس السوريين» بسبب وفرة المواد في السوق السورية، وفارق سعر الصرف بين البلدين.. كما أيقن الأردنيون آنذاك أن السوق الأردنية هي الأكثر احتياجاً إلى سورية وليس العكس.
هذا الاندفاع والتدافع من بعض الأشقاء نحو دمشق لم يأت عفواً أو مصادفة.. وإنما بعد أن فشلت الولايات المتحدة والدول الغربية والكيان الصهيوني والنظام التركي وبعض المشيخات في النيل من سورية وحرف مسارها القومي، فما كان منهم إلا القبول بالعودة والحج إلى دمشق مرة أخرى وطلب الغفران.. وخط الغاز المصري- الأردني- السوري- اللبناني خير دليل.. إضافة إلى لقاء وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد بوزراء خارجية تونس والجزائر والعراق وعُمان والأردن ومصر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الـ/76/.. وهذا لم يكن لولا إقرار واشنطن بحاجتها إلى سورية.. الدولة القوية التي أثبت شعبها وجيشها وقائدها أنبل التضحيات وأسمى الصمود.
صناع القرار في الغرب يجهلون إعجاز السوريين، ولا يفهمون هذه الخاصة الرمزية في سلوكيات المواطنة الصالحة لديهم التي تظهر وتسمو وتشمخ في الأزمات.. فمن لم يهزم بحصار الثمانينيات ولم يهزم بعد عشر سنوات حرب كانت أكثر من عالمية وفعلت ما فعلت.. لم ولن يُهزم بالحصار الاقتصادي الجائر ولا بتشديد الإجراءات القسرية غير الشرعية ولا بالوعيد ولا بالتهديد.. ومن ينوي حصار سورية يحاصر نفسه.. هذه حقائق التاريخ والجغرافيا.. ولكن ما عذر الأشقاء؟
لاشكّ في أن إعادة افتتاح معبر “نصيب- جابر” وعودة رحلات الطيران من عمّان إلى دمشق خطوة مباركة، وهذا يبشر بكسر ما يسمى «قانون قيصر» وإزالة كل العوائق التي تحول دون عودة سورية إلى مكانتها، فهي حاجة عربية وإقليمية ودولية قبل الحاجة السورية.
هذه هي سورية الوطن.. الأم.. قلب العروبة النابض كما وصفها الزعيم جمال عبد الناصر، تضمد جراح الجميع.. تقدم الترياق لمن يطلبه.. لا تعرف المنّة، ولا البخل ولا الضغينة.. لا تعرف الانتقام، أو الشماتة رغم علمها علم اليقين أن البعض من أشقائها -وليست المرة الأولى- كادوا لها وتآمروا عليها.. والبعض ما يزال يراهن على تدميرها.. وهي مع ذلك تترفع عن أن تكيل بمكيالهم.. هذه هي الشام، وهذا عهدها وديدنها.. كانت قِبلة وملجأ الأمير عبد القادر الجزائري عام 1855 أثناء مقاومة الاحتلال الفرنسي، اختار الشام وتوفي فيها.. وفتحت ذراعيها للإخوة الفلسطينيين منذ العام 1948.. وللبنانيين بكل الاعتداءات الصهيونية.. وللكويتيين، وللعراقيين أثناء الاحتلال الأمريكي عام 2003.. وهي من زوّدت الأردن بمياه الشرب في العامين 1999 و2001 رغم أنها كانت تعاني من أزمة جفاف خانقة.
سورية على الدوام كانت الملجأ والقِبلة والأمان لكل أشقائها العرب، يفتح السوريون قلوبهم قبل بيوتهم وليس مخيمات لجوء، وتنكيل، وإذلال، ومنّة، كما يفعل من احتضناهم بالأمس.. فهل يعي بعض العربان والمشيخات “تكويعة” واستدارة أمريكا والغرب إلى سورية القوية الصامدة المعافاة، فما صنعه التاريخ وخطّته الجغرافيا وباركه القدر «عليكم بالشام فإنها خير أرض الله» لا تستطيع طغمة باغية من الإرهابيين مرتبطة بالكيان الصهيو-أمريكي والنظام التركي أن تغيره.