لماذا تظهر كتابات اليوم مترجمةً من لغات أخرى؟
تؤكد النصوص المكتوبة اليوم الأثر الكبير للترجمات الغربية على الكتاب، وبرغم مشروعية الاطلاع على الثقافات الأخرى وضرورتها في العملية الإبداعية، إلا أن غياب البصمة وتلاشي الخصوصية أو انعدام الهوية في النص يعد كارثة، خلال السنوات الأخيرة تكاد تطبع الكثير مما يكتب في المشهد العربي بشكل عام!. فالتعابير المستخدمة وكثرة أدوات العطف وأسماء الإشارة بلا مبرر إضافة إلى الصورة السطحية توحي بأن النصوص ليست عربية بسبب غياب الفصاحة والتكثيف من ناحية صلابة الجملة وليس من جهة رفض السرد.. هذا الواقع دفع بالكثير من النقاد إلى القول: لقد كثر الكتاب لكن النص يبدو واحداً مكرراً مع تعديلات بسيطة تبعاً لخصوصية الكاتب.. تُرى، لماذا غاب العمق الفكري عن نصوص اليوم، ولماذا كثرت الشكوى الشخصية والمناجاة الفردية والمعاناة الخاصة على حساب كل هموم الحياة الأخرى؟ هل الأمر مرتبط بغياب القراءات المعمقة للكتاب في الفلسفة والفكر وتاريخ الفنون، أم إن القضية هي ردة فعل تجاه العناوين الكبرى التي حملها في المجتمع في مرحلة معينة لكنها لم تثمر بشكل كافٍ كي تسحر عقول الشباب؟.
ليست القضية هجوماً على الكتابة الشابة، فهناك الكثير من التجارب المختلفة، لكننا نتحدث هنا عن ظاهرة تطبع الكثير من النصوص ولن نقول أغلبها، وأيضاً لن نطالب بالتأمل الفلسفي والبحث عن كنه الحياة أو تطور المجتمعات ضمن القصيدة، لكن اقتصار الكتابات على قصائد الحب والمعاناة من الفراق والحزن في انتظار الحبيب يعد ضحالة بسبب كثرة التكرار في الصور والألفاظ إلى درجة صار القارىء يعرف سلفاً ماذا سيقول الكاتب خلال النص؟!.
يقول أحمد، شاعر شاب: إن العناوين الكبرى لا تعني الكتاب الشباب، وقد أشبعها الآباء كتابة وتناولاً في القصائد والقصص والروايات، فماذا سنضيف نحن إذا اتبعنا القضايا نفسها خاصة في هذه المرحلة التي يعاني فيها الجيل هموماً كثيرة تتعلق بمستقبله وحياته وتواصله مع المجتمع… ويضيف: أنا أعبّر عن نفسي من خلال الكتابة ولا يعنيني أي شيء آخر!.
سعاد، قاصة قصيرة، تعتقد أن السطحية ترجع إلى خيبات الأمل الكبيرة التي يحملها هذا الجيل، فهي حالة تشبه الكوميديا السوداء التي تضحك في قلب المعاناة, ولا تملك شيئاً تفعله سوى ذلك، لهذا فإن الأسلوب العبثي يعد موقفاً فكرياً مما يجري لكن من المفترض أن يتأسس بناء على ثقافة ومعرفة عميقة, وهنا تكمن المشكلة في كتابات اليوم، فالجميع يميل للعزلة والانطواء كأنه ينبش معاناته الشخصية فقط بلا محاولات للاطلاع على تجارب الآخرين أو على المدارس الأدبية التي نشأت تاريخياً في العالم كردّات فعل على واقع ما..
محمد، شاعر شاب، يرى أنه من حق هذا الجيل أن يجرب الأساليب المختلفة لأن جيل الآباء سبق أن غاص في التراث وارتبط بالجذور والأصالة وعبّر عنها في مختلف الفنون ومن حقنا اليوم أن نعبّر بشكل مختلف خارج الموسيقا وخارج المعجم المستخدم حتى لو اقتصر الأمر على همومنا الذاتية التي تبدو بلا حلول.. ماذا يعني أن أكرر تجارب الآباء وأكتب بالأسلوب نفسه؟ من حقي أن أكتشف وأحاول السير في طريق مختلف..
أكدنا لمن تواصلنا معهم بأن المشكلة ليست بالخروج على التراث التقليدي في الكتابة بل هي متعلقة بغياب الخصوصية والفرادة من ناحية الصورة والألفاظ والفضاء العام للنص.. ترى؛ لماذا لا نعثر على الكاتب داخل نصه ولماذا تغيب كثيراً البصمة الشخصية التي تميز هذا عن ذاك؟.
كثيراً ما تحدثنا عن دور الترجمات الغربية في موضوع توسيع المخيلة وفتح النوافذ على تجارب جديدة تغني الكتابة وتجعلها تتلمس آفاقاً مغايرة للسائد المحلي، لكن هذا المبدأ يبدو غائباً لأن العملية التطورية في الكتابة لا تحضر عند معظم من يكتبون اليوم، فالنص متوقف عند مستوى معين في القصائد التي يكررها الكتاب خلال زمن طويل، وهذا يؤكد أن البنية الداخلية المتعلقة بالفكر غير مؤسسة بشكل كافٍ، حتى بالنسبة للترجمات، فإن الكثيرين يكتبون من دون اطلاع على الشعر الأميركي أو الإنكليزي والفرنسي، ومع ذلك فإن النصوص التي يكتبونها تبدو مترجمة من لغة أخرى بعامل الضعف اللغوي والنحوي وهشاشة الصورة وغير ذلك، فالقضية التي يؤكدها النقاد دائماً هي ضرورة تأسيس الثقافة المحلية وامتلاك المهارات الكافية قبل الاحتكاك بالثقافات الأخرى، لأن المنفعل في هذا الاتصال غير الفاعل، ومن يستطيع أن يضيف إلى التراث العالمي في الشعر يختلف عمن يكتب شعراً يشبه الشعر الأجنبي كنوع من التقليد والتأثر أو من دون أن يشعر حيث يتسرب ذلك إليه بعامل الضعف الموجود لديه أساساً!.
ما سبق، لا يعني استخفافاً بالتجارب الحديثة، فهناك العديد من الأسماء المتميزة التي تركت بصمة مختلفة في المشهد، لكن كما أسلفنا فإن ما نتحدث عنه يطبع عدداً كبيراً ممن يزاولون الكتابة.