في ذكرى تأسيسه.. الجيش العربي السوري تاريخ حافل بالبطولات.. انتصارات الحاضر تؤسس لمستقبل عنوانه الحفاظ على السيادة
يحتفل السوريون بعيد حماة الديار.. العيد الذي يرى فيه كل سوري تجسيداً حقيقياً لقيم وأصالة سورية الحضارة والتاريخ وانبعاثاً للحاضر والمستقبل بعناوين عريضة ترسخ قيم الكرامة والسيادة والإباء التي جسدها الجيش العربي السوري على مدار سبعة عقود ونيف منذ التأسيس حتى يومنا هذا.
في الذكرى السادسة والسبعين لتأسيس الجيش تأخذنا صفحات التاريخ إلى قصص عناوينها الشجاعة التي لا يستطيع أي مؤرخ منصف إلا أن يذكر محطات مفصلية من تاريخ المنطقة كان الجيش العربي السوري محور الارتكاز فيها، حيث حمل في أربعينيات القرن الماضي راية التصدي للاستعمار الغربي الذي قرر زرع كيان غاصب في فلسطين وجعله قاعدة متقدمة لضمان استمرار استغلال المنطقة وتفتيتها فشارك جيشنا في حرب عام 1948 دفاعاً عن عروبة فلسطين وشكل حصناً منيعاً أمام أطماع الصهاينة في التوسع واغتصاب مزيد من الأرض العربية.
ولا ينسى المؤرخون ما قام به الضابط في الجيش العربي السوري جول جمال بنسف بارجة فرنسية خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وما قام به جول جمال كان يمثل أنموذجاً لعقيدة هذا الجيش في الدفاع عن قضايا الأمة.
حرب تشرين التحريرية عام 1973 هي الأخرى شكلت محطة ناصعة ومشرقة من محطات الدفاع والمواجهة محطمة مقولة “الجيش الذي لا يقهر” التي كان يفاخر بها العدو الإسرائيلي لتستكمل القوات المسلحة السورية دورها الريادي على مستوى الأمة وتقدم كواكب الشهداء على أرض لبنان الشقيق لإيقاف الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وبعدها شكل الجيش العربي السوري منصة دعم رئيسة للمقاومة الوطنية اللبنانية إلى أن تم تحرير معظم أراضي الجنوب عام 2000 وهزيمة العدو الإسرائيلي عام 2006 بعد تكبيده خسائر فادحة في السلاح والمعدات والأفراد.
وفي هذا السياق التاريخي يقول اللواء المتقاعد محمد عباس لـ “سانا” إن “الجيش الذي تأسس في فترة الاستقلال يمارس دوره الوطني من أجل تعزيز الاستقلال والمحافظة على السيادة الوطنية والدفاع عن مكتسبات الشعب” مؤكداً أن القوات المسلحة العربية السورية “ليست درع الوطن وترسه وسيفه فقط؛ بل إنها أحد مصادر الإلهام الوطني والأخلاقي والاجتماعي والثقافي والإنساني وهي صدى حقيقي للإرادة الوطنية للشعب السوري”.
بدوره، يشير العقيد الجوي الركن المتقاعد سمير كامل أحمد في تصريح مماثل إلى أن “الجيش العربي السوري كما وصفه القائد المؤسس حافظ الأسد حين قال: “جيشنا منذ ولد اختار أن يكون جيش العرب كل العرب جيش الأمة العربية”.. فالعروبة والعقيدة التي يحملها الجيش ترجمها على أرض الواقع بالبطولات والانتصارات التي خاضها عبر تاريخه في الخمسينيات وفي عدوان عام 1967 وسموه حرب الأيام الستة لأن الجيش العربي السوري هو الذي استمر يقاتل ستة أيام.
وأضاف العقيد أحمد: “وبعد حرب تشرين لم تتوقف انتصارات وملاحم الجيش السوري في الجولان وجبل الشيخ” مؤكداً أن “الجيش الذي حارب في تشرين يعرف الطريق إلى تشرين آخر ونحن منذ أكثر من عشر سنوات وحتى الآن نخوض تشارين أخرى بألوان مختلفة في مواجهة أدوات إرهابية جندت في الحرب الكونية ضد سورية”.
وفي السياق ذاته يقول العميد المتقاعد جرجس صليبا: إن الجيش العربي السوري منذ تشكيله هو جيش الأمة العربية دافع وقاتل وكانت له مواقف كثيرة في اليمن ولبنان والعراق ومواقع مهمة جداً وصولاً إلى اليوم حيث تحارب وحداته الإرهاب وداعميه نيابة عن العالم.
ومع هذا السرد التاريخي لهذه المحطات التي آثر الجيش العربي السوري إلا أن يكون حاضراً فيها يفهم القارئ والمتابع ومعهم من سيتابع كتابة التاريخ لماذا شنت هذه الحرب الإرهابية على سورية منذ العام 2011.. يفهم أن جيشنا وقف حجر عثرة في وجه المشاريع والمخططات التي كانت تحاك في الدوائر الغربية والصهيونية ضد المنطقة، فكان لا بد من ابتداع أساليب جديدة لـ”تفكيكه وتمزيقه”، فكانت هذه الحرب الإرهابية تحت عناوين براقة، ما وضع الجيش في موقع المواجهة المباشرة والقيام بدوره وواجبه الدستوري في الدفاع عن الوطن وحماية أبنائه فعملت قيادته منذ البداية ولا تزال على توزيع المهام ووضع الخطط والتكتيكات وجمع المعلومات عن التنظيمات الإرهابية والتوصل إلى معرفة مرجعياتها ومصادر تمويلها وتسليحها والتحقق من الأهداف الرئيسة والثانوية للإرهابيين وتم إعداد الخطة المناسبة من قبل القيادة للمواجهة من دون أن يسقط من حسابات القيادة العسكرية والسياسية تأمين المدنيين وإخلاؤهم من المناطق الخطرة وإنقاذ المنكوبين وتأمين طرق المواصلات وحمايتها وحماية مؤسسات الدولة من أي اعتداء.
وبهذا الخصوص يقول العقيد سمير كامل أحمد إن البطولات والانتصارات التي حققها الجيش لا توصف فهو مع كل نصر يحققه ضد الإرهابيين وداعميهم إنما يغير خارطة العالم واستطاع إفشال عشر سنوات من الحرب التي شنت عليه لتفكيكه وتمزيقه.. وبانتصاراته على الإرهاب إنما انتصر للعالم بأسره وانتصر للقيم والوطن والإنسانية.
وبعد سنوات الحرب الإرهابية على سورية ورغم حجم التحديات التي فرضتها تشهد ساحات المعارك للقوات المسلحة عظمة صمودها وصلابة إرادتها المستمدة من احتضان الشعب لهذا الجيش وإيمانه به، فالمؤسسة العسكرية السورية وأفرادها هم من هذا الشعب السوري الحي الذي أنتج جيشاً عربياً سورياً مؤمناً ومخلصاً.
وحول العلاقة بين المؤسسة العسكرية والشعب السوري يقول اللواء محمد عباس إن الشعب الذي احتضن الجيش هو نفسه الجيش الذي كان وفياً في المقاومة والصراع ضد الإرهاب الإسرائيلي بمختلف أشكاله وضد إرهابيي واشنطن وأنقرة الذين يقاتلون في الجغرافيا السورية فالعقيدة الوطنية للجيش العربي السوري هي عقيدة الانتماء لهذا الشعب والانتماء الحضاري لجذوره التاريخية وعقيدته التي تنتمي إلى حبة القمح في الحسكة وإلى حبة الزيتون في إدلب كما تنتمي إلى جبل الشيخ الشامخ الأشم.. كذلك تنتمي إلى تدمر الحضارة.
واليوم في ذكرى تأسيسه يمضي الجيش العربي السوري أقوى وأكثر تصميماً على تطهير ما تبقى من ربوع الوطن بإرادته المبنية على قيم الوطنية والعقيدة العسكرية مقترباً من تحقيق النصر النهائي المبني على ما تحقق من إنجازات كان أبرزها تحرير حلب نهاية العام 2016 والذي شكل محطة مفصلية من محطات هذه الحرب الإرهابية مروراً بفك الحصار عن دير الزور بالتوازي مع تحرير مساحات واسعة من البادية السورية وصولاً إلى الحدود الأردنية في بادية السويداء الشرقية عام 2017 وباديتي حمص ودير الزور عام 2018 ولم تتوقف هذه الإنجازات بتطهير ريف حمص الشمالي وريف حماة الشمالي وغوطتي دمشق وصولاً إلى محافظتي القنيطرة ودرعا بل تابعت قوات الجيش عملياتها وحررت في 2019 ما تبقى من ريف حماة المتاخم لريف إدلب الجنوبي الغربي وعدداً كبيراً من بلدات ومدن وقرى ريف إدلب الجنوبي ومن أهمها مدن خان شيخون وسراقب ومعرة النعمان وغيرها بعد تكبيد الإرهابيين خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
وبعد الهزائم والانكسارات التي تلقتها التنظيمات الإرهابية في معظم المناطق انسحبت فلولها إلى مناطق بالأرياف الشمالية لمحافظات الرقة وحلب والحسكة، ومن هنا وانطلاقاً من مهامه الوطنية تابع الجيش عملية انتشاره وتقدمه حيث تحركت وحدات منه في تشرين الأول 2019 باتجاه الشمال وسط ترحيب كبير من الأهالي الذين ضاقوا ذرعاً باعتداءات الإرهابيين وقوات الاحتلالين الأمريكي والتركي ومرتزقتهم الذين ارتكبوا مجازر بحقهم واحتلوا مناطق ودمروا بنى تحتية فيها وسرقوا ونهبوا الأملاك العامة والخاصة.
ولإنجاز التحرير الكامل وطرد القوى المحتلة وتطهير الأرض من رجس العملاء والإرهابيين يواصل الجيش العربي السوري أداء واجبه الوطني بعزيمة لا تلين وإيمان بحتمية الانتصار، فما تحقق من انتصارات وملاحم ودماء الشهداء الأبرار وتضحيات الجرحى الأبطال سيكون منطلقاً لطرد المحتلين من شمال وشمال شرق البلاد وتحرير الجولان العربي السوري المحتل وجميع السوريين على قلب واحد خلف جيشهم لضمان مستقبل مشرق يحقق تطلعاتهم.