كانت الانتخابات الرئاسية التي شهدتها سورية يوم الأربعاء الماضي مؤشراً على إصرار للذات الجماعية السورية ينحو باتجاه استعادة الثقة بالنفس من جديد، كمقدمة لا بديل عنها لاستعادة الدور الناهض الذي اعتادته تلك الذات حتى غدت محوراً يستدل من حركته على طبيعة الحركة التي ستنتقل إلى الجوار والمحيط في منطقة هي الأشد حساسية في العالم.
كانت الانتخابات، في إحدى صورها التي تعددت في شتى الاتجاهات، رزمة من الرسائل التي أتخمت صناديق بريد الخارج، تماماً كما أتخمت صناديقها بأوراق الناخبين في مؤشر أراد السوريون من خلاله القول إن حجم الصناديق المصممة لم يكن كافياً للتعبير عن الحب الذي يكنه السوريون لوطن يعيش فيهم قبل أن يعيشوا فيه، كان طيف الرسائل متلوناً بدرجة كبيرة، وهو يبدأ من لون يقول إن الرهان على التفتيت وتذويب الهوية الوطنية كان رهاناً خاسراً، وصولاً إلى لون يشي بأن الفسيفساء التي تحتويها اللوحة السورية هي مصدر غنى لسورية، وليس نقطة ضعف فيها، مروراً بلون يشير بوضوح إلى أن التسامح والتعايش كانا على الدوام رمزاً من رموز الحضارة السورية التي تغوص لآلاف السنين حتى ليكاد عمرها من عمر التاريخ أو تسبقه، ولون آخر يومئ بأن كل ما جرى، وسيجري، لن يوقف مسارنا، نحن المؤمنين بالمجد السوري من الهضبة إلى البوكمال، وهو مجد لا تنفصم عراه كما لا تنفصم عرى الأوردة والشرايين عن بعضها البعض .
في يوم 26 أيار رمى السوريين بقفاز التحدي بوجه العالم كله، والفعل، من حيث النتيجة، كان درساً يراد إيصاله لهذا الأخير من أقصاه إلى أقصاه، ومفاده أن مشروعية الأنظمة التي تختارها الشعوب لا تقوم على اعتراف الدول أو المنظمات بها، وإنما تقوم بالدرجة الأولى على تناغم، بدا واضحاً في الحالة السورية، حتى إذا ما تحقق هذا الفعل الأخير بات لزاماً على كل الخارج، بدوله ومنظماته، مراجعة حساباته من جديد.