رسائل معركة الصمود والمواجهة
تتسارع الأحداث والفعاليات النضالية الفلسطينية، إذ توسّعت الساحات التي تشهد نضالاً شعبياً فلسطينياً وعربياً ممتداً على مجمل أرض فلسطين التاريخية بشقيها المحتلين -في الأراضي المحتلة في 1948 و1967- لتصل إلى خارج حدود فلسطين، وتؤكد مرة جديدة أن الدم العربي يكتب اليوم صفحات الحرية والتحرر والانعتاق من الاحتلال وظلمه، كما دخلت فصائل العمل العسكري الفلسطيني على خط المواجهة وهذا تطور نوعي يؤكد قدرة وإمكانات فصائل العمل المسلح.
لقد ظن الاحتلال أنه سيخالف منطق الأشياء وقوانين التاريخ، في عملية محق إرادة الكفاح الوطني، لكن ما جرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكد من جديد لهذا المحتل أن الشعب الفلسطيني متمسك بحقوقه التاريخية، ولم تغير إجراءات الاحتلال عبر عقود من عقيدة انتماء هذا الشعب إلى أرضه وإيمانه بحقوقه، وتمسكه بجميع أشكال النضال والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني وجرائم التطهير العرقي والديمغرافي.
لكن ما يجب التوقف عنده في هذه الهبة الفلسطينية المباركة، هذا التحول النوعي لفلسطينيي 48، بانتقالهم من هامش العملية الوطنية الفلسطينية، إلى قلب العملية الوطنية الفلسطينية، بدلالة انتمائهم لشعبهم، وفي تأكيد على وحدانية الشعب والقضية والأرض والرواية التاريخية.
لم تكن تلك الهبة الشعبية أو بالأصح الانتفاضة الجديدة وليدة أحداث الشيخ جرّاح ولا سيطرة المستوطنين الأكثر تطرفاً على بعض أحياء مدينة القدس وبيوتها، لكنها تراكمات طويلة في مواجهة سياسات القمع والاضطهاد والتهجير، وسياسات الفصل العنصري ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، ليس في الأراضي المحتلة عام 1967 لكنها طالت كل المدن الفلسطينية حتى التي تم الاستيلاء عليها منذ عام 1948.
لقد ظن الاحتلال أن فلسطينيي الـ48 قد باتوا في “الجيب” الإسرائيلي، لكنهم بموقفهم الرافض للأسرلة والاندماج ضمن الدولة الصهيونية بالتوازي مع موقفهم المتمسك بالبقاء بأرضهم، قبل اندلاع أحداث النضال الشعبي في الشيخ جرّاح والقدس، في كل من أم الفحم وحيفا ويافا وعدد من المدن داخل مناطق الـ48، ونجح فلسطينيو الـ48 في معركة الصمود على الأرض وأوصلوا رسائل واضحة وعلى غاية من الأهمية تعبر بمجملها عن كونها امتداداً لمجمل الشعب الفلسطيني، وأن قضيتهم الرئيسية هي قضية كل الفلسطينيين، أي هي قضية تحرر من الاحتلال وإقامة دولة فلسطين الواحدة..
باختصار ما يجري اليوم على الأرض الفلسطينية، ستكون فيه الكلمة العليا لمن صبروا وصمدوا وواجهوا ما كان يحاك لهم ولهذا المشرق، بعد أن خلخل الشعب الفلسطيني موازين القوى لصالحه، ورسم قواعد جديدة للاشتباك سيكون على العدو الإسرائيلي والأطراف المؤيدة له التوقف عند معطياتها راهناً ومستقبلاً.