الآثار بريف إدلب المحرر بين النهب والتدمير.. جرائم ارتكبتها التنظيمات الإرهـابية!
برزت إدلب خلال الفترة الحالية من الأحداث الراهنة ولا تزال حاضرة في أذهان الكثيرين وهي مرتبطة كذلك بثلاثة رموز، الآثار كرمز لغنى إدلب، حيث تمتلك ثلث آثار سورية التي أسالت لعاب كبار ذئاب المجتمع الدولي، والثائر البطل إبراهيم هنانو كرمز من رموز المقاومة للشعب السوري وصموده المجيد في وجه الغزو الاستعماري الفرنسي، وموقعها الجغرافي باعتبارها نافذة سورية على أوروبا، غير أن إدلب ليست فقط هذه الرموز، فهي تعني أيضاً المساحة الشاسعة من الأراضي الزراعية وبساتين أشجار الزيتون، والمواقع السياحية الجميلة، والعمق السوري، وقبل ذلك كله التجذر التاريخي والتنوع الحضاري الذي يتجلى في أبهى وأرسخ صوره في التراث الأثري العظيم الذي يتوزع على مختلف أرجاء المحافظة الخضراء شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، إذ لا توجد جهة من جهات محافظة إدلب يصح أن نقول بشأنها أن التاريخ قد نسيها أو أن الحضارة الإنسانية قد رفضت أن تترك على تربتها شاهداً أو معلماً لذاكرة الأجيال.
يقول مدير آثار إدلب غازي علولو في تصريح لـ”تشرين”: بكل أسف تراث إدلب الحضاري بات اليوم ضحية للنهب والتدمير، مضيفاً: إدلب كانت وستبقى حاضنة الحضارات عبر التاريخ .. حضارات ما زالت آثار معالمها المعمارية شاهدة على عظمتها. تحتضن أرض إدلب روائع إبداعات فنية قلما توجد في غناها وتجتمع في تنوعها وعظمتها في بلاد أخرى، كما توجد فيها مواقع تاريخية فريدة من نوعها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، تتضمن من بين أمور أخرى، رسوماً صخرية من أقدم ما تم اكتشافه في العالم أجمع، فضلاً عن آثار لا تزال مغمورة تحت الأرض حتى الآن.
وقال علولو: تعرضت المواقع الأثرية في ريف إدلب المحرر من الإرهاب للكثير من التخريب والدمار أثناء سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة على المنطقة وخبا ألق هذه المواقع وطالتها يد العبث والاعتداء فقد تم التطاول عليها بغياب الرقيب والحسيب وسلطة الدولة وأصبحت ملاذاً للمارقين والمغامرين وتجار الأزمات والحروب من أبناء المنطقة وخارجها واستبيحت المواقع بالكامل من تلال ومدن منسية ومتاحف .
وأشار علولو فيما يتعلق بموقع (إيبلا) الأثري الذي يعرف بين أوساط العامة بــ (تل مرديخ) إلى أنه تم تقييم الأضرار فيه، حيث حولت التنظيمات الإرهابية هذا الموقع الذي يرتاده الزوار والسياح من كل أنحاء العالم إلى يباباً قفراً اعتراه الدمار والتخريب وتحول الموقع إلى أكوام من التراب وتصدعت وانهارت أجزاء كبيرة من مبانيه ومنشآته العمرانية وظهرت الحفر والحفريات في كل مكان من أنحاء الموقع وقد تم استخدام الآليات الثقيلة (كالجرافات وبواكر) في تخريب وتدمير مساحات واسعة من المدافن في المدينة الأثرية التي تعد من أروع روائع العالم القديم جمالاً وعظمة واتساعاً وتم شق طريق يصل إلى أعلى (الأكروبول) وتم تحويل الموقع بكاملة إلى ثكنة عسكرية ومراكز تدريب تتناثر في أنحائه المعدات المدمرة والآليات المحروقة، وقد قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتوثيق المواقع بالكامل ورصدت التعديات الحاصلة باستخدام طائرة مسيرة معدة لهذا الغرض كما لم يأمن بيت البعثة الإيطالية العاملة في إيبلا من السرقة والمليء بالتجهيزات والمعدات والأدوات المخبرية وبعض اللقى الأثرية والملفات التي توثق للموقع أثناء عمليات الحفر.
لكن المحزن والمؤلم أن عمليات النهب والتدمير لم تقتصر على الكنز الأثري “إيبلا” الذي لا يقدر بثمن وإنما مست العديد من المعالم والمواقع، فبالنسبة لمتحف معرة النعمان والذي يعد من أهم المتاحف في سورية وحسبما ذكر مدير آثار إدلب، يضم مجموعة نادرة من لوحات الفسيفسائية فقد تعرض المبنى للتخريب والدمار وتصدعت وانهارت بعض أجزائه من أروقة وسقوف وتم حفر أنفاق في بهوه لتكون ملاذاً لهؤلاء المرتزقة الإرهابيين وتضررت بعض اللوحات الفسيفسائية نتيجة سقوط قذائف الحقد والإرهاب على المتحف، ونظراً لأهمية المتحف فقد قامت دائرة آثار المعرة بنقل القطع الأثرية المخبأة في مستودعات المتحف بعد التحرير إلى متحف حماة الوطني ليتم إعادتها فور تأهيل المتحف وترميمه وقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتشكيل لجنة هندسية من متخصصين لإعداد الدراسات الهندسية اللازمة لترميم المتحف وإعادته إلى حالته الأساسية وفور توفر الإمكانيات المادية والتمويل المناسب وتهيؤ المناخ والظرف الملائم سيتم البدء بأعمال الترميم اللازمة كما قامت اللجان المتخصصة في دائرة آثار إدلب وبالتنسيق مع الجهات الرسمية الأخرى مثل نقابة المهندسين والخدمات الفنية والأوقاف بإعداد الدراسة الهندسية لضريح الخليفة عمر بن عبد العزيز في الدير الشرقي ريثما يتم البدء العمل بالترميم فور توفر الاعتمادات اللازمة.