عندما يتذكر الكبار معلميهم .. ذكريات مفعمة بالوفاء لشموع احترقت لتضيء الطريق للآخرين
في عيد المعلم ما أجمل أن يتجسد الوفاء أمام ناظريك، من خلال العديد من الشخصيات الكبيرة سناً ومقاماً والتي مازالت تذكر معلميها وأساتذتها بكل احترام وتقدير ممزوج بالكثير من الفخر والامتنان للجهد الذي بذلوه بإعدادهم وتعليمهم حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من مكانة علمية واجتماعية في المجتمع.
المحامي إسماعيل الزبيدي من قرية عدلة في منطقة الشدادي في الحسكة زار مكتب الصحيفة وتحدث عن كوكبة من معلميه مستهلاً حديثه في هذه المناسبة بالقول: إذا كانت إنسانية الإنسان تجتهد لتعبر عن مدلولها في عصر الزمن الصعب، فما أجمل أن يحظى الإنسان بالعظمة إثر قيامه بعمل يسعى من خلاله إلى هدفٍ سامٍ آفاقه مشرقة وثماره يانعة.
وأضاف أنه مازال يشعر بالامتنان لأولئك المعلمين الذين كان لهم الفضل بما وصل إليه. ويصفهم بالشموع التي كانت تحترق لتضيء الطريق أمام الآخرين. وبرغم تقدمه في العمر مازال الأستاذ الزبيدي يتذكر أساتذته جميعهم، ويتوجه إليهم بالشكر والتقدير على ما قدموه، وذكر أسماءهم جميعأ.
ويشعر الزبيدي بالأسى والحزن لأن البعض من هذه القامات توفاه الله، لكنه يقول إن عزاءه أنهم تركوا إرثاً رائعاً ليس في مجال التربية والتعليم فحسب، بل في المجال الإنساني أيضاً لن يـُمحى من ذاكرة الجميع.
ويقول ابراهيم صبري (متقاعد) لـ”تشرين”: في المرحلة الابتدائية كان مدير مدرستنا يدعى بتيو إيشايا لا أعرف معنى الاسم لكونه باللغة الآشورية كما علمت لاحقاً. والواقع لم أكن مهتماً بمعرفة معنى الاسم بقدر إعجابي بأسلوب صاحب الاسم بالإدارة، ولذلك أحببناه نحن التلاميذ وأظن أن المعلمين أحبوه أيضاً، وذلك لأن مديرية التربية عندما أقدمت على استبدال هذا المدير بمدير آخر الكل انزعج وتلقى الخبر كالصدمة، وسرعان ما اكتشفنا الفرق بين المديرين. ولهذا كنا دائماً نطالب بعودة المدير الأستاذ بتيو إيشايا إلى إدارة مدرستنا، وما كنا نكل أو نمل من المطالبة بذلك كلما أتيحت لنا الفرصة، إلى أن استجابت مديرية التربية لمطلبنا وأعادت الأستاذ بتيو مديراً لمدرستنا.
ويضيف مستذكراً صفات مدير مدرسته: لم تكن الابتسامة تفارق وجهه، برغم صرامته الشديدة. ولهذا كانت المدرسة تسير بانتظام كالساعة والتدريس فيها على مايرام ونادراً ما نجد تلميذاً أو معلماً يتغيب وعدد التلاميذ المتفوقين في مدرستنا كان بازدياد على الدوام. باختصار كانت المدرسة ممتازة في ظل إدارته ولهذا استفدنا من الدراسة فيها الكثير.
ويتابع متأثراً: أنا لا أعرف إن كان الأستاذ بتيو إيشايا على قيد الحياة أم قد توفاه الله الآن بعد كل هذه السنين، لكني وجدت في هذا اللقاء الذي تجرونه معي بمناسبة عيد المعلم فرصة لأقول كلمة حق بهذا المدير الذي كان له بالغ الأثر في حياتي الدراسية والمهنية من بعد ذلك. فتحية حب وتقدير لهذا المدير المعلم الناجح إن كان حياً، وألف رحمة ونور عليه إن كان قد انتقل إلى جوار ربه.
وقال خليل محمد (موظف 55 عاماً) لـ(تشرين): في عيد المعلم أوجه تحية حب وتقدير إلى أهم معلم في حياتي ألا وهو أمي السيدة الفاضلة يازي جاسم الطهيمي تغمدها الله بواسع رحمته. ولاسيما أن عيد الأم يتزامن مع عيد المعلم. فقد كانت والدتي ورغم أنها أمية لا تقرأ ولا تكتب السبب في أن أتعلم وأنجح وأصبح ناجحاً في دراستي ومهنتي وحياتي. ففي الوقت الذي كان فيه والدي منهمكاً بتأمين لقمة العيش لنا، كانت والدتي متفرغة لتربيتنا وتعليمنا. وكانت تؤدي واجبها في هذا المجال على أكمل وجه. فقد كانت رحمة الله عليها تحثنا على الدراسة والتعلم، ولازلت أسمع صدى صوتها يتردد في أرجاء البيت وهي تخاطبنا قائلة (ادرسوا أولادي ادرسوا واجتهدوا وانجحوا، إذا أردتم أن تنجحوا عليكم بالدراسة، لا نجاح من دون دراسة) وكانت تتابع دراستنا أولاً بأول ويوماً بيوم، وتحثنا على كتابة وظائفنا ومراجعة دروسنا، وتراقب ذلك وتتأكد منه، وإذا اكتشفت أن أياً منا تقاعس في ذلك، تجلس معه ولا تتركه حتى ينجز ما عليه من وظائف ويحفظ ما تلقى من دروس. وكانت تقتصد من مصروف البيت لتأمين مصاريف دراستنا، حتى المال الذي كان يهديها إياه أهلها كلما زارتهم كانت تحرم نفسها منه وتصرفه علينا وعلى دراستنا التي كانت رقم واحد بالنسبة لها. ولهذا كنت متفوقاً في دراستي من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية، وعندما عملت في وظيفة تتناسب مع تخصصي الجامعي كنت من الموظفين الناجحين والمتميزين، بدليل شهادات الثناء والتقدير والجوائز التي تلقيتها في حياتي العملية تقديراً للإنجازات التي حققتها، شهادات الثناء والتقدير والجوائز هذه كانت ترافقني منذ دخولي المدرسة وحتى اليوم في حياتي العملية بفضل معلمي الأول أمي.