يمن العزة

يمكن توصيف التصعيد الحاصل في الحرب اليمنية في غضون الأسابيع القليلة الماضية، والذي من المقدر له أن يتصاعد في الآونة القريبة المقبلة قبيل أن يقرر حط رحاله قريباً أيضاً، على أنه وصول لنقطة الذروة التي تسبق بالضرورة قراراً بالذهاب إلى طاولات التفاوض التي تشي تراسيمها بأنها ستكون شديدة الوطأة على أطراف الحرب قياساً إلى ما راكمته النتائج المستحصلة من معارك باتت وشيكة أن تتم عامها السادس على التوالي، بعد أن كانت الرهانات الأولى تقول إنها لن تدوم لأكثر من بضعة أسابيع، أو بضعة شهور على أبعد تقدير، لكي تحقق الغايات المرجوة منها.

التحليل سابق الذكر يقوم على معطيين مهمين اثنين، أولهما إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن إيقاف دعمها للحرب السعودية على اليمن، والرياض تدرك جيداً استحالة استمرار هذه الأخيرة من دون دعم أمريكي وحده يبدو كفيلاً بحفظ ماء الوجه، وثانيهما، وهو الأخطر، يتمثل بقرار تلك الإدارة رفع حركة “أنصار الله” عن لوائح الإرهاب الأمريكية، وكلا المعطيين وإن كانا مرتبطين عضوياً، إلا أن كلاً منها ينذر باتجاه بروز تحديات من النوع العاصف للنظام السعودي بالدرجة الأولى، لكنه بالتأكيد سيفرض على “التحالف” فتح قنوات التفاوض مع اليمنيين الذين قدموا في غضون السنوات الست المنصرمة درساً في الكبرياء والعزة لربما فاق بكثير ذلك الدرس الذي علمنا إياه “الفيتكونغ” إبان تصديهم للعدوان الأمريكي على فيتنام، والذي دام لإحدى عشر سنة امتدت ما بين عامي 1964- 1975، فملحمة الصمود اليمنية كانت ذات دلالات تذهب نحو مدى أبعد من نظيرتها الفيتنامية انطلاقاً من معطيات عدة لعل أبرزها اختلاف الظروف التي غاب فيها الحليف الدولي في الحالة اليمنية، وكذا شح الموارد التي زاد من تأثيرها تكالب الغرب على نموذج كان يراد له أن يوقع “شيكاً على بياض” سيكون -فيما لو حصل- وثيقة استسلام غير مشروط، وهو سيقود إلى جملة من التغييرات الجيوسياسية الخادمة لدول العدوان بالدرجة الأولى وللدول الداعمة لهذا الأخير كتحصيل حاصل.

هنا تبدو معركة مأرب المحتدمة أقرب ما تكون للجائزة الكبرى التي تحاول أطراف الحرب كسبها تأكيداً لعلو كعبها على طاولة مفاوضات تلوح تراسيمها في الأفق، وهي من دون شك ستكون الفصل الأخير في الحرب بعدما فرغت جعاب دول العدوان من محتوياتها التي لم تنجح كلها، على كثرتها، في كسر شوكة اليمنيين الذين أبدوا مقاومة ستشكل، من دون أدنى شك، مادة دسمة للباحثين في مراكز الدراسات الذين سيتوجب عليهم إيجاد الجواب عن سؤال أساسي مفاده: كيف يمكن لشعب خاض حربه بأدوات الجيل الأول (السلاح الأبيض تقريباً) أن ينتصر في مواجهة عدوان يمتلك أدوات الجيل الثالث والرابع التي تضم أحدث الأسلحة التي أتاحت لها التكنولوجيا الأمريكية فرصة ربطها بالفضاء لتصبح الأكثر دقة والأكثر فاعلية.

ما تخشاه الرياض الآن يتعدى في حدوده مخاطر وقف لإطلاق النار سيؤدي إلى حال من الانكفاء الداخلي ستكون له بالضرورة تداعيات يصعب التنبؤ بمآلاتها، فهي، أي الرياض، تدرك جيداً أن البراغماتية، التي تمثل السمة الأبرز الطاغية على السياسات الأمريكية، سوف تقود واشنطن حتماً إلى فتح قنوات التفاوض المباشر مع “أنصار الله” بوصفهم الطرف المنتصر في الحرب، وهي، أي البراغماتية، ستفرض في النهاية قانونها القائل بوجوب التفاوض مع الطرف الأقوى القادر على الإضرار بمصالحها الإقليمية، للوصول إلى نقاط تلاق تضمن للأمريكان حماية تلك المصالح بالحدود الدنيا، بعدما تأكد لهم أن السعوديين لم يستطيعوا القيام بذلك الدور، والثابت هو أن قدرات هؤلاء لم تكن بالقدر الكافي الذي كان يمثل شرطاً لازماً وكافياً للنجاح في تلك المهمة.

لم يكن الدور السعودي إيجابياً في الأزمات التي مرت بها المنطقة بدءاً من سورية والعراق، مروراً باليمن ووصولاً إلى ليبيا، فالرياض ارتضت لنفسها أن تلعب دور رأس حربة في مشروع غربي لا هدف له سوى إتمام عملية التحطيم الذري لهيولى النهوض النامي في الرحم العربية مرة واحدة وإلى الأبد، ولربما كانت الفرصة متاحة الآن لحدوث انعطافة سعودية تبدو للرياض مصلحة فيها قبل أي أحد آخر، طالما أن دواعيها قائمة، وسلسلة الدواعي تطول بدءاً من الدرس المستخلص من “عزة اليمن” التي لم تستطع الآلة العسكرية السعودية تحطيمها، ثم مروراً بحوار أمريكي- إيراني لا شك أنه حاصل اليوم أو غداً، ومن المقدر له أن يكون ثقيل الوطأة على الكيان والدور السعوديين، ووصولاً إلى مراجعة أمريكية، لا أحد يعلم إلى أين يمكن أن يصل مداها، للعلاقات مع المملكة التي تجد نفسها اليوم في وضع هش لا تحسد عليه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
وفد سورية برئاسة المهندس عرنوس يصل طهران للمشاركة في مراسم تنصيب بزشكيان مجلس الشعب يدين الجريمة الوحشية التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني بحق أهالي مجدل شمس مؤتمر الباحثين السوريين المغتربين 2024 ينطلق في دمشق.. نحو "اقتصاد وطني قائم على المعرفة" و استدراك مدروس للفجوات  التنموية صندوق الأمم المتحدة للسكان يعلن استعداده لدعم القطاع الصحي في الحسكة مواجهات حاسمة في ختام بطولة زهرة الجولان للشطرنج المغربي مزراوي على أعتاب مان يوناتيد رؤساء ومسؤولون دوليون يهنئون مادورو بفوزه في الانتخابات الرئاسية لفنزويلا القيادة العامة للجيش: جهات مشبوهة تنشئ حسابات وهمية بأسماء كبار الضباط على منصات التواصل الاجتماعي المنطقة تكاد تستقر على وضعية واحدة «الرد والرد المقابل» وتبريد التصريحات لا يعني تبريد الأجواء.. الكيان يعود أدراجه باتجاه «هجوم» لا يستفز الجبهة اللبنانية الرئيس الأسد يهنئ الرئيس مادورو بفوزه في الانتخابات الرئاسية ويؤكد أهمية التعاون بين الدول مستقلة القرار والإرادة