نصر اليمن قاب قوسين أو أدنى
منذ أن شنت السعودية مع ما يسمى “التحالف” عدوانهم على اليمن أواخر آذار من العام 2015، مترافقاً بدعم من شتى الصنوف، أمريكي على وجه الخصوص، وغربي على وجه العموم، حتى إن ذلك الدعم لم يكن يماثله، في طبيعته وفي الحدود التي وصل إليها، سوى الدعم الذي قدمه هؤلاء لـ”إسرائيل” في كل الحروب التي خاضتها مع العرب على امتداد ما يقرب من عقود سبعة.
لم يكن توجه الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخير بشأن تلك الحرب بجديد، وإن كان يحمل في تراسيمه نفحة مختلفة عن ما جاء به أسلافه، فبعد أيام من تنصيبه قال: “سوف نقوم بإعادة تقييم العلاقات مع المملكة السعودية ولدعمنا لها في الحرب مع اليمن”، قبل أن يعلن في 4 شباط الجاري “سنوقف الدعم للأعمال العسكرية في اليمن بما في ذلك صفقات بيع الأسلحة ذات الصلة”، كانت تلك التصريحات تطلق في الوقت الذي كانت فيه العديد من التقارير تشير إلى أن واشنطن هي الآن في مرحلة مراجعة لقرار إدراج “أنصار الله” على لوائح الإرهاب الأمريكية.
نقول إن هذا التوجه غير جديد، فقد سبق أن سعى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري في أواخر عهد الرئيس باراك أوباما إلى “عملية سلام” لكنها وئدت في مهدها، وبعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تشرين الأول 2018 كان هناك مسعى آخر قاده وزير الخارجية مايك بومبيو لإنهاء العمليات العسكرية والجلوس إلى طاولة المفاوضات في غضون ثلاثين يوماً، ولم تلق مبادرة بومبيو حظوظاً أوفر من تلك التي لقيتها مبادرة سلفه كيري سابقة الذكر، ومن حيث النتيجة فإن المسعيين الأخيرين كانا قد فشلا لسبب أساسي هو أن سوق السلاح الخليجي كان يمثل حالة احتياج لشركات التصنيع الحربي الأمريكية، وهذا الاعتبار كان طاغياً على أي اعتبارات أخرى لدرجة غابت فيها أدنى المعايير الأخلاقية والإنسانية في سياسات دولة ما انفكت ترفع شعارات حقوق الإنسان، بل تتخذ منها مطية لتحقيق اختراقات في العديد من المناطق والدول التي ترى أنها تنتهج سياسات لا تنسجم مع مصالحها.
يحمل التوجه الجديد لإدارة بايدن في اليمن بذوراً جدية، ومن الراجح أن ذلك التوجه يحظى بفرصة الديمومة التي تكسبه طابع خيار نهائي بعيداً عن طابع التكتيك الذي يحمل عادة بين طياته صبغات ابتزازية كتلك التي حملها مسعيا كيري وبومبيو آنفا الذكر، ليس بسبب الأزمة الإنسانية اليمنية التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأكثر كارثية في القرن الواحد والعشرين، وإنما انطلاقاً من اعتبارات عدة أبرزها اثنان: الأول أن واشنطن بايدن تبدو اليوم ساعية في توجيه مسار سياساتها بما يخدم مصالحها العليا حتى ولو أدى ذلك إلى إضرار علاقاتها مع دول تربطها بها مصالح كبرى مثل المملكة السعودية، وثانيهما أن السياسة الجديدة التي يريد بايدن تبنيها تبدو ماضية نحو تخفيض مستوى الانخراط في النزاعات القائمة في المنطقة، بمعنى آخر تفعيل الدبلوماسية كبديل عن الضغوط بشقيها العسكري والاقتصادي.
تدرك الرياض جيداً استحالة الاستمرار بالعدوان من دون دعم أمريكي وغربي مباشر، ولهذا فقد بات لزاماً على صانع القرار السياسي السعودي تهيئة الأرضيات، وكذلك المناخات، الكفيلة بوضع مسودات واقعية لقرار وقف إطلاق النار الذي سيكون بمثابة هزيمة فاقعة بكل المقاييس والمعايير، لكن الواقعية تقول إن الخيار عندما يكون ما بين “ألمين” أحدهما شديد والثاني أشد، فالمؤكد أنه يجب أن يقع على الأول بالتأكيد، لكن حتى هذا الخيار من المقدر له أن ينتقل لاحقاً إلى درجة الشدة التي يتمتع بها الخيار الثاني، فوقف النار، وفق هذه المعطيات، سوف تكون له تداعيات متعددة الجوانب على الداخل السعودي الذي لم ينجز بعد مرحلة تحولاته التي فرضتها إدارة دونالد ترامب، ثم إن “الميناء” برمته بات مهدداً بالعديد من الأعاصير التي تلوح من كل حدب وصوب.