وأخيراً اتخذت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قراراً يقضي بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، “الضفة الغربية وغزة والقدس” ما يفتح الطريق أمام تحقيق محتمل، ولوائح اتهام لمسؤولي الاحتلال الإسرائيلي على المستويين السياسي والعسكري لارتكابهم جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني، وربما بإصدار أوامر اعتقال سرية لهم وتحويلهم إلى المحاكمة، ويمنح القرار المحكمة صلاحية الاختصاص المكاني على اعتبار أن فلسطين دولة عضو في ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.
وحدهما الولايات المتحدة والكيان الصهيوني نددا ورفضا قرار الجنائية الدولية، وعلى الفور سارع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني إلى القول “المحكمة أثبتت مرة أخرى أنها مؤسسة سياسية وليست هيئة قضائية”.
لكن نتنياهو وبعد تصريحه هذا، طلب من جميع المسؤولين في الكيان الصهيوني عدم التعليق على قرار وضع “إسرائيل” في قفص الاتهام والتحقيق والمساءلة وربما العقاب.
والسؤال المركزي الذي ينبغي طرحه، ونحن نتابع ونراقب ما يمكن أن يظهر حيال ذلك من تطورات ومستجدات هو: هل ستكون محكمة الجنايات الدولية جادة في توثيق هذه الجرائم والتي باتت مكشوفة ومفضوحة وبالتالي وضع كل مرتكبيها بما يشمل رؤساء حكومات ووزراء ورؤساء أركان وفوق ذلك رؤساء المستوطنات في قفص الاتهام والمطاردة لتأخذ العدالة على المستوى القانوني والقضائي مسارها في حماية الشعب الفلسطيني مما يلحقه العدو الصهيوني من أخطار وكوارث ومآس على وجوده الإنساني والطبيعي فوق أرضه، ويلزم سلطات الاحتلال بالانصياع إلى إرادة الحق الدولية في عدم تهديد حياته عبر سياسات لم تتوقف يوماً ما من اعتقالات وتجويع وهدم منازل واستيلاء على الأراضي ومن تهجير وتشريد وإقامة المستوطنات وإطلاق الرصاص وقنابل الغاز السام على المواطنين الفلسطينيين لمصادرة حقهم في التظاهر والتنديد بالممارسات العنصرية الصهيونية وتفريغ القدس من أهلها وأصحابها خاصة وأن هناك قراراً أممياً برقم 2334 يطالب بالوقف الفوري للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم تستجب له سلطات الاحتلال، بل أمعنت وتمادت أكثر فأكثر في هضم وقضم الأراضي الفلسطينية، وإقامة جدار على حساب أملاكهم هو جدار فصل عنصري بحجج وأوهام “أمنية” و”عسكرية”.
ومع الإعلان عن قرار المحكمة الجنائية الدولية، وجه المسمى وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس رسالة خاصة إلى جنوده وضباطه وأجهزته الاستخباراتية اعتبره “قراراً خطيراً”، وأداة في يد ما وصفهم بأعداء “إسرائيل” للنيل منها.
المهم في هذا الصدد هو أن التعاون بات ضرورياً مع المحكمة ليس فقط على المستوى الفلسطيني، بل وأيضاً على المستوى العربي والدولي، لأنه وباستطاعة الادعاء العام في المحكمة ومنذ الآن بعد صدور القرار، المباشرة أو البدء بمرحلة جديدة من التحقيقات الجادة والحقيقية والصادقة لمحاسبة كيان العدو الصهيوني وإصدار أوامر اعتقال علنية أو سرية لكل من كان شريكاً في هذه الجرائم التي في حال فتح تحقيق حيالها، فلا شك أن “إسرائيل” برمتها ستكون أمام سيناريو صعب وخطير، لأنه من دون هذه الجرائم ما كان لهذا العدو أن يستمر في احتلاله ولا حتى في إقامة هذا الكيان الغاصب من حيث إن وجوده بحد ذاته قائم الجرائم ، ولا يمكن أن ننسى مقولة الإرهابي مناحيم بيغن بعد مجزرة دير ياسين عام 1948 حين قال: “لولا مجزرة دير ياسين لما قامت إسرائيل”!