ذكرى وبحث وأسئلة

لبنى شاكر

“بِلا هويةٍ واضحة”، ينطبق هذا الوصف على كثير مما نسمعه محلياً، فالتشابه الكبير في برامج الإذاعات يُصعّب فكرة “التميّز” عليها، ويدفع المستمع نحو بحثٍ عما يستحق المتابعة يومياً، بعيداً عما تفرضه علينا الذائقة الصباحية لسائقي “السرافيس وباصات النقل الداخلي”.
أمّا “كيف تصنع وسيلة إعلامٍ محلية هوية خاصة”؟ فهو سؤال كبير، أجابت عنه منذ زمن بعيد إذاعة دمشق، والتي صادف أول أمس الذكرى الـ 74 لتأسيسها، ثم كان إرسالها الرسمي مقترناً بذكرى الجلاء الأولى 17 نيسان 1946، بعدما كانت غرفة في الهاتف الآلي في شارع النصر، انتقلت لاحقاً إلى ساحة النجمة، على رأسها في تلك المرحلة الأمير يحيى الشهابي.
بالطبع لم يكن العمل على جعل الإذاعة وقتها وسيلة إعلامية مُتابعة، مجرد اهتمام لشخص أو لإدارة، كما لم يكن همّاً تسويقياً ودعاية، بل “رؤية” يشترك فيها العاملون جميعاً، من ذلك مواقف عديدة عايشها فنانون كبار مع إذاعة دمشق، والكلام من حديث سابق مع الباحث الموسيقي أحمد بوبس، يقول فيه: عام 1950 لحّن “وديع الصافي” أولى أغنياته “عاللوما اللوما”، قدمها لإذاعة بيروت لكنها لم تتجاوب، فما كان منه إلا أن جاء إلى إذاعة دمشق، التي بثتها عدة مرات في اليوم الواحد، وخلال مشواره الفني ظل الرجل وفياً للإذاعة السورية وسجل فيها أغنيات كثيرة.
أيضاً بحث المطرب والملحن اللبناني “مصطفى كريدية” عمن يتبناه، فاستقلّ سيارة شحن قادمة إلى دمشق، لكنه حين وصل إلى “فيكتوريا” لم يكن يمتلك مالاً، فوقف يُفكر على ضفة بردى حين لمح عمالاً يأكلون، طلب منهم أن يطعموه مقابل أن يغني لهم، وقبل أن ينهي أغنيته ساق القدر إليه موسيقيين يعملان في إذاعة دمشق، ذهبا به إلى أحد الفنادق ليأكل ثم إلى الإذاعة، هناك غنى وأعطوه 400 ليرة، كان مبلغاً يشتري نصف بيت في العاصمة، فيما بعد قدّم ألحاناً كثيرة، من أشهرها “يا فجر لما طل”.
في ذكرى تأسيس إذاعة دمشق، يصح أن نوجه السؤال لها أيضاً : “كيف تصنع وسيلة إعلامٍ محلية هوية خاصة”؟، ويصح أيضاً أن نسأل: “كيف تُحافظ عليها؟”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار